أكد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون الدولي أنطونيو تاجاني في مقابلة مع صحيفة (الرياض) أن الإعلان عن تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية، الذي وقعته السيدة جورجيا ميلوني رئيسة وزراء الجمهورية الإيطالية مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، يمثل محطة مفصلية في مسار العلاقات بين البلدين. فهو يرتقي بالعلاقة إلى مستوى استراتيجي، ويضع إطاراً متيناً لتعميق التعاون في مختلف المجالات من الحوار السياسي إلى الاستثمار والصناعة والطاقة والدفاع والسياحة والتراث الثقافي. وبين تاجاني أن الشراكة الاستراتيجية لكل من المملكة وإيطاليا سوف تقود إلى توسيع آفاق التعاون إلى ما يتجاوز الإطار الثنائي، والتموضع كشريكين فاعلين في مناطق أوسع مثل إفريقيا وآسيا. ويمكن للبلدين أن يلعبا دوراً محورياً في «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فإيطاليا تُعد بوابة طبيعية إلى أوروبا، فيما تبرز المملكة مركزا إقليميا رئيسا. ومن خلال العمل المشترك، يمكننا تعزيز الترابط وخلق مسارات جديدة لنقل البضائع والطاقة والخدمات الرقمية. تاجاني يدشن مبادرة «معرض ميلانو للأثاث والتصميم» احتفاءً بتميز التصميم الإيطالي والسعودي * معالي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، أهلاً بكم في المملكة العربية السعودية. وبدايةً، كيف تقيمون عمق وطبيعة العلاقات السعودية - الإيطالية الممتدة لأكثر من تسعة عقود؟ * تُعد المملكة العربية السعودية شريكاً أساسياً لإيطاليا في منطقة الخليج، حيث تعود علاقاتنا إلى عام 1932. وخلال السنوات الأخيرة، عملنا على تعزيز التعاون في مجالات السياسة والطاقة والبنية التحتية والابتكار والثقافة والدفاع. كما أصبحت الزيارات على المستوى الوزاري أكثر تكراراً، وهو ما يعكس عمق صداقتنا. وخلال العام الماضي تحديداً، تطوّر هذا الارتباط ليصبح شراكة نابضة بالحياة، تتطلع إلى المستقبل، وتجمعنا فيها طموحات مشتركة لتحقيق الاستقرار والازدهار المستدام والتميّز التقني. وإيطاليا والسعودية تعملان اليوم جنباً إلى جنب من أجل تعزيز الأمن والتنمية في المنطقة. * ما الأهداف الرئيسة والأولويات التي تحملونها خلال زيارتكم الحالية للمملكة؟ * نهدف في هذه الزيارة إلى معالجة القضايا الإقليمية والثنائية معاً. وبالتعاون مع أصدقائنا في المملكة، سنتباحث حول الأوضاع في الشرق الأوسط، حيث نتقاسم الهدف نفسه وهو دعم الاستقرار والأمن، بما في ذلك التنسيق الوثيق بشأن غزة. أما على المستوى الثنائي، فالتعاون بيننا قوي ونطمح إلى تعزيزه أكثر. وسألتقي بعدد من الوزراء والمسؤولين السعوديين، بالإضافة إلى قيادات من قطاع الأعمال من الجانبين، وسأشارك في المنتدى الاقتصادي السعودي - الإيطالي. والذي سيكون حدثاً ضخماً، إذ سجل الآلاف من المشاركين من الطرفين حضورهم. كما سأفتتح مبادرة "معرض ميلانو للأثاث والتصميم"، احتفاءً بتميز التصميم الإيطالي والسعودي. ونود أن نعرب عن شكرنا لوزارة الثقافة السعودية على دعمها الكبير الذي أسهم في نجاح هذا الحدث المهم. * أصبحت التبادلات رفيعة المستوى سمة بارزة في العلاقة بين الرياضوروما، إلى أي مدى تسهم هذه الزيارات المتبادلة وآخرها لقاء رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بصاحب السمو الملكي ولي العهد في العلا في تعزيز العلاقات الثنائية؟ * تعكس الزيارات رفيعة المستوى قوة شراكتنا وقيمتها الاستراتيجية، وكانت زيارة رئيسة الوزراء ميلوني في يناير الماضي مثمرة بشكل خاص، إذ أسفرت عن اتفاقيات مهمة بين الحكومتين، إضافة إلى العديد من صفقات الشركات التي بلغت قيمتها نحو 10 مليارات دولار. لقد زرت المملكة قبل عامين، وأحافظ على تواصل منتظم مع صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، الذي زار روما مؤخراً. وتتيح لنا هذه التبادلات المستمرة تحديد الأولويات وضمان المتابعة الفعّالة. يمتلك البلدان فرصاً واسعة للتعاون؛ فنحن ندعو الشركات السعودية لاستكشاف السوق الإيطالية، كما نشجع الشركات الإيطالية على زيارة المملكة لاكتشاف مسارات جديدة للنمو المشترك. * توجت زيارة رئيسة الوزراء ميلوني بالإعلان عن شراكة استراتيجية بين المملكة وإيطاليا، كيف تتوقعون أن يشكل هذا الإطار المسار المستقبلي للعلاقات بين البلدين؟ * يمثل الإعلان عن تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية، الذي وقعته رئيسة الوزراء ميلوني مع سمو ولي العهد، محطة مفصلية في مسار العلاقات بين البلدين. فهو يرتقي بالعلاقة إلى مستوى استراتيجي، ويضع إطاراً متيناً لتعميق التعاون في مختلف المجالات من الحوار السياسي إلى الاستثمار والصناعة والطاقة والدفاع والسياحة والتراث الثقافي. نحن نعمل مع نظرائنا في المملكة على إعداد خطة عمل لثلاث سنوات، ونأمل أن يتم الانتهاء منها قريباً. ويمنح المجلس دوراً محورياً لوزيري الخارجية في البلدين، وإيطاليا على أتم الاستعداد للإسهام الفعّال في هذا المسار. * خلال وجودكم في المملكة، كيف تقيمون حجم التقدم والتحول الجاري في إطار رؤية 2030؟ * نحن نقدر رؤية 2030 باعتبارها نموذجاً طموحاً واستشرافياً للتنويع الاقتصادي قائماً على الاستدامة والتخطيط طويل المدى. وأثرها واضح بالفعل، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية الحضرية، حيث أصبحت المملكة واحدة من أكثر الدول ديناميكية في العالم. ومن الطبيعي أن يفتح هذا المسار آفاقا جديدة للتعاون مع إيطاليا، التي تتوافق قدراتها من التصنيع المتقدم إلى الطاقة والبنية التحتية والثقافة والتصميم والسياحة والتكنولوجيا بشكل وثيق مع أولويات رؤية 2030. * ما القطاعات الاقتصادية التي توفر أفضل الفرص لتعزيز دور إيطاليا داخل السوق السعودي، خصوصاً في دعم مشروعات وأهداف رؤية 2030 الطموحة؟ * تُعد إيطاليا شريكاً مثالياً لرؤية 2030 في العديد من القطاعات، فنحن القوة الصناعية الثانية في أوروبا، ونمتلك ريادة عالمية تمتد من الطاقة والبنية التحتية إلى السلع الاستهلاكية والدفاع. وتتميز الشركات الإيطالية بجودة منتجاتها وموثوقيتها وقدرتها على نقل المعرفة وهي عناصر تتماشى تماماً مع طموحات المملكة. تنمو علاقاتنا الاقتصادية بوتيرة سريعة، فمنذ جائحة كورونا ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 67 % ليصل إلى 10.3 مليارات يورو في عام 2024. كما زادت الصادرات الإيطالية بما يقارب 20 % سنوياً، بينما بلغت الاستثمارات الإيطالية المباشرة في المملكة 4.5 مليارات يورو. وتُعد المملكة سوقاً ذا أولوية في استراتيجية التصدير الإيطالية للدول غير الأوروبية ذات الإمكانات العالية، ونرى توافقاً واضحاً مع مستهدفات رؤية 2030. وفي إطار "منتدى الأعمال في الرياض"، الذي يجمع 480 شركة إيطالية وأكثر من 450 شركة سعودية، حددنا خمس مجالات توفر فرصاً فورية للتعاون: * البنية التحتية والنقل المستدام. * الرعاية الصحية. * التقنيات الرقمية والمتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات. * تقنيات الأغذية والمياه. * الصناعات الإبداعية والثقافية والرياضية السريعة النمو. وتبقى الطاقة والدفاع ركيزتين أساسيتين في تعاوننا، وسيتم تناولهما عبر مبادرات متخصصة. وفي مجال الطاقة، يشهد التعاون تطوراً سريعاً يواكب التقنيات الجديدة في التحول الطاقي، وإيطاليا مستعدة لدعم طموح المملكة في أن تصبح مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة عبر حلول الطاقة المتجددة المتقدمة، وتحديث الشبكات، وتقنيات الهيدروجين، والهندسة الرفيعة المستوى. كما يحمل قطاع الأثاث والتصميم الداخلي فرصاً كبيرة، فالسوق السعودي الذي تبلغ قيمته اليوم 6.1 مليار يورو ومن المتوقع أن يتجاوز 8 مليارات بحلول 2030 يتوافق بشكل قوي مع الخبرة الإيطالية. والمملكة هي ثاني أكبر سوق لإيطاليا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال الأثاث، خصوصاً في الفئة الفاخرة. شراكتنا مع المملكة تدخل مرحلة غير مسبوقة ونراها مركزاً عالمياً للطاقة والتقنية كل هذه المعطيات تشير إلى مسار واضح: إيطاليا والمملكة تدخلان مرحلة جديدة من التعاون، تعملان فيها جنباً إلى جنب عبر كامل نطاق أولويات رؤية 2030. * أشار السفير الإيطالي لدى المملكة، كارلو بالدوتشي مؤخراً.. إلى إمكانية التوسع المشترك نحو أسواق جديدة مثل إفريقيا وآسيا. كيف يمكن للشراكة الاستراتيجية السعودية الإيطالية أن تسهم في تعزيز الحضور الاقتصادي في هذه المناطق؟ تتيح الشراكة الاستراتيجية لكل من المملكة وإيطاليا توسيع آفاق التعاون إلى ما يتجاوز الإطار الثنائي، والتموضع كشريكين فاعلين في مناطق أوسع مثل إفريقيا وآسيا. ويمكن للبلدين أن يلعبا دوراً محورياً في "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فإيطاليا تُعد بوابة طبيعية إلى أوروبا، فيما تبرز المملكة مركزا إقليميا رئيسا. ومن خلال العمل المشترك، يمكننا تعزيز الترابط وخلق مسارات جديدة لنقل البضائع والطاقة والخدمات الرقمية. وتحتل إفريقيا أولوية قصوى بالنسبة لإيطاليا عبر "خطة ماتّي"، التي تقوم على نهج شراكة متكافئة ومصلحة متبادلة. نحن نستثمر في مشروعات استراتيجية من ممر لوبِيتو إلى الزراعة في منطقة الساحل إلى جانب سعينا لترسيخ دورنا كجسر للبنية التحتية والطاقة والرقمنة بين أوروبا وإفريقيا. وهنا تتكامل خبرة المملكة المتنامية مالياً ولوجستياً مع الحضور التاريخي لإيطاليا في أسواق المتوسط وإفريقيا. فمن خلال الاستثمارات المشتركة، ومبادرات التطوير المشترك، والمشاركة في مشاريع كبرى للبنية التحتية والطاقة النظيفة، يمكننا الإسهام في بناء سلاسل قيمة مستدامة تمتد عبر ثلاث قارات. وتوفر الشراكة الاستراتيجية الإطار الذي يمكّننا من تنسيق هذه الجهود ومواءمة القطاعين الخاصين في البلدين حول فرص مشتركة واعدة. * إضافةً إلى الروابط الاقتصادية، تتعاون المملكة وإيطاليا في عدة مجالات استراتيجية مثل الدفاع والأمن والطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء والسياحة. ما التطورات المستقبلية التي تتوقعونها في هذه المسارات من التعاون؟ o يتجه تعاوننا نحو مزيد من التكامل والابتكار، ففي مجالي الدفاع والأمن، تستثمر المملكة في بناء منظومتها الدفاعية، وتتمتع الشركات الإيطالية بموقع مميز للمساهمة عبر نقل التكنولوجيا، والإنتاج المشترك، والتدريب المتقدم مما يُحدث تحولاً من مجرد الشراء إلى بناء قدرات مشتركة. وفي الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء، يتوافق تركيز رؤية 2030 على الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين والتخزين، مع نقاط القوة الصناعية الإيطالية، ونتوقع مزيداً من المشروعات المشتركة، والبرامج التجريبية، والتعاون بين المراكز البحثية في البلدين. أما في قطاع السياحة، فتوجد فرص كبيرة للتعاون، خصوصاً مع انفتاح المملكة على الزوار العالميين وتطويرها وجهات ثقافية وطبيعية وأثرية جديدة. ويمكن لإيطاليا أن تسهم بخبرتها في ترميم التراث، وتصميم الضيافة، وتخطيط السياحة، وصياغة الهوية المناطقية. وتُعد الثقافة والصناعات الإبداعية كذلك مجالاً واعداً للنمو، فإيطاليا تمتلك حضوراً قوياً في الهندسة المعمارية والموضة والتصميم والفنون، وهي مجالات تتناغم مع طموحات المملكة. ويتضمن منتدى الأعمال جلسة خاصة حول الثقافة والرياضة، امتداداً للمبادرات التي استُضيفت في روما. وفي جميع هذه المجالات فإن الاتجاه واضح، أصبحت شراكتنا أكثر تعاونا وتوجها نحو المهارات وتركز على بناء القدرات على المدى الطويل، بما يتماشى تماما مع رؤية 2030. * تتقارب مواقف الرياضوروما في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كيف يمكن توظيف هذا الانسجام الدبلوماسي لدعم الحلول المتعلقة بالتحديات السياسية الملحّة، ولا سيما قضية فلسطين؟ لدينا تبادل منتظم مع المملكة العربية السعودية بشأن القضايا الدولية والإقليمية، ونحن نثمّن النهج المتوازن الذي تتبناه المملكة. ونعمل معاً من أجل استقرار وسلام منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وتشكل القضية الفلسطينية بطبيعة الحال عنصراً محورياً في هذا المسار. تتقاسم الرياضوروما الالتزام بتحقيق سلام عادل وآمن وشامل ومستدام في الشرق الأوسط. وقد وقعنا مع صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية إعلاناً مشتركاً حول غزة خلال زيارته لإيطاليا في 28 أغسطس. وعلى مدى العامين الماضيين، عززنا تعاوننا لدعم زيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والعمل على تمهيد الطريق نحو تنفيذ حل الدولتين. كما شاركت إيطاليا بفاعلية في "المؤتمر رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين" الذي دعت إليه المملكة وفرنسا في نيويورك، وقدمنا إسهامات مهمة في أعمال المؤتمر وإعلان نيويورك، حيث تولّت إيطاليا رئاسة مجموعة العمل الخاصة بالأمن بناءً على طلب من المملكة. وقد مهدت "خطة ترمب" التي أقرها أيضاً مجلس الأمن الطريق لاستكشاف أشكال جديدة من التعاون العملي الذي يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني واستقرار المنطقة. وتظل إيطاليا منخرطة بالكامل في تنفيذ الخطة وفي الجهود الإنسانية عبر مبادرة "الغذاء من أجل غزة"، كما تُعد الدولة الغربية الأكثر استقبالاً للفلسطينيين المحتاجين إلى الرعاية الطبية. نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون الدولي أنطونيو تاجاني