الإنسان لديه قدرات هائلة، مخّ جبار به أكثر من ثمانين مليار خلية عصبية، لا يستخدم منها سوى نسبة بسيطة، ولديه مواهب مطمورة تحتاج للبحث عنها وتنميتها، ثم خلق الشغف لينتقل الطالب من البدايات البسيطة إلى التخصص، ثم الاتقان والإبداع والتميز.. نحتاج لملهمين في أكثر من مجال، الإتقان بحاجة إلى شغف، والشغف يبدأ بملهم أبدع وأصبح فائزاً ومشهوراً في مجاله، والملهمون لا ينحصرون في مجال معين، بل في كل المجالات العلمية الفنية والثقافية والرياضية وغيرها، وقد أحسنت المملكة بمنح الجنسية لعلماء مبدعين على مستوى العالم. قبل أسابيع فاز العالم السعودي الدكتور عمر ياغي بجائزة نوبل للكيمياء، ويحمل الدكتور عمر أكثر من جنسية، فهو فلسطيني الأصل وأردني المولد، وأميركي بحكم الإقامة، وسعودي بمنحه الجنسية بأمر ملكي قبل أربع سنوات، ويعمل مستشاراً لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في عام 2015 في الكيمياء، وكانت مما ساعد في حصوله على جائزة نوبل للعام 2025. كما كانت من أسباب فوز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل، حيث ذكر ذلك في سيرته الذاتية. وقصة عمر ياغي ملهمة من عدة نواحٍ، وفيها دروس كثيرة. لعله يوضح ذلك في سيرة ذاتية تركز على بداياته الصعبة، والطريق الذي سلكه ليصل إلى أغلى وأشهر جائزة على مستوى العالم. سيرته الذاتية ستصبح ملهمة، وآمل أن يكتبها، وبخاصة تهجير والديه من قطاع غزة إلى عمان، وسكنه في منزل صغير مع العديد من أفراد عائلته، في منزل يفتقر إلى الكهرباء، ولا يصله إلا القليل من الماء. وعوّض كل ذلك والد كان يحرص على تعليم أولاده، كما هو لدى الكثير من الأسر التي رأت في التعليم خير منقذٍ من الفقر والحاجة. فأرسله والده وهو في سن الخامسة عشرة إلى أمريكا ليلتحق بأخيه الذي سبقه إلى هناك. ليسلك بعد ذلك طريق العلم والعمل في الوقت نفسه، ليكسب الخبرة في سنّ مبكرة. كل ذلك يقودنا إلى حقائق كثيرة من أهمها: أولاً: حين ننظر إلى سير الحائزين على جائزة نوبل، نجد أن معظمهم أساتذة في جامعات بحثية، ويعملون في مراكز أبحاث لها علاقة بالجامعات التي يعملون بها. والدكتور عمر ياغي أستاذ في جامعة كاليفورنيا بيركلي، وعالم في مختبر لورانس بيركلي العالمي للعلوم. ولولا وجوده في هذا المكان لصعب عليه الحصول على جائزة نوبل، والسبب هو ما تؤمنه الجامعات المتميزة من إمكانات وتعاون بين الأساتذة والباحثين ليحققوا السبق على مستوى العالم. وأمام المملكة طريق طويل للرقي بالجامعات البحثية لتصل إلى مستوى الجامعات المتميزة، وقد بدأت أولى الخطوات، والألف ميل يبدأ بخطوة. ثانياً: لا ينتسب الدكتور عمر ياغي لأسرة ميسورة تؤمن له أفضل المدارس في المراحل الأولى، لكن والديه كانا مهتمين بتعليمه، وكانا من أهم أسباب تفوقه. وهذا يعطي الأمل لكل أسرة مهما كانت خلفيتها أو حالتها المادية بأنها قادرة على جعل أولادها علماء متفوقين، وهو ما يعني الخروج من دائرة الفقر. النجاح لا حدود له حين يجد الطفل العناية والتشجيع من البيت والمدرسة. وهنا يجب دعوة الدكتور عمر لإلقاء محاضرة في إحدى الجامعات السعودية يوضح فيها بداياته الصعبة، وأهم أسباب نجاحه حتى حصوله على جائزة نوبل. وتسجل هذه المحاضرة ثم تعمم على الجامعات والمدارس الثانوية. وأتذكر جيداً تلك المحاضرة التي قدمها الدكتور زويل -رحمه الله- في جامعة اليمامة، ذكر فيها أهم أسباب حصوله على جائزة نوبل في الكيمياء. ثالثاً: يجب أن نستثمر كل نجاح تحققه المملكة، وبخاصة في المجالات العلمية للمزيد من النجاح. الطلبة والطالبات بحاجة إلى تنمية المواهب، ومحفز يقودهم للتفوق والشغف والتميز. ولو خصصت وزارة التعليم ضمن المنهج بحثا في كل فصل دراسي لشخصية ناجحة في المجالات العلمية أو الثقافية أو الفنية أو الرياضية. يهتم به الطلبة، ويقرؤون عنه، يناقشون أسباب نجاحه، ويعقدون الندوات والمناقشات داخل فصولهم، وفي مسرح المدرسة. وقد يرسلون له ما لديهم من أسئلة لعله يجيبهم لذلك. ولو تتبعنا سير الناجحين في الألعاب الأولومبية لوجدنا أن من يفوز بالميدالية الذهبية يصبح ملهماً للكثير من شباب وطنه، وتظهر نتائج ذلك في الدورات اللاحقة. الإنسان لديه قدرات هائلة، مخّ جبار به أكثر من ثمانين مليار خلية عصبية، لا يستخدم منها سوى نسبة بسيطة، ولديه مواهب مطمورة تحتاج للبحث عنها وتنميتها، ثم خلق الشغف لينتقل الطالب من البدايات البسيطة إلى التخصص، ثم الاتقان والإبداع والتميز.