طالما تساءلت.. كيف يحيا الإنسان بلا موهبة أو هواية، دون لمسة إبداع تلون له حياته؟ لا شيء يلهمه، ويجدد شغفه، لا يَلمع، لا يُرى، ولا يُدهِش أحداً، ولا يشعر بجمال الحياة. يمضي في الحياة كظلٍّ باهت، يؤدي ما عليه كلّ يوم من أعمال، مثل آلة ديناميكية وفي حقيقة الأمر روحه تبحث عن وترٍ لم يُعزف بعد، مرهقه، شاحبه، تنتظر تلويحه المايسترو حتى تبدأ! يقول بابلو بيكاسو: "كل طفل فنان؛ المشكلة هي كيف يظل فنانًا عندما يكبر." هذه العبارة تلخص تحديًا يواجه كل إنسان: الاحتفاظ بقدرته على الإبداع والفن منذ طفولته حتى يكبر. فالطفل يرى العالم بعين مليئة بالدهشة والتساؤل، يتفاعل مع الألوان، الأصوات، والحركات بطريقة طبيعية، دون قيود أو خوف من النقد. لكن مع مرور الوقت، يبدأ المجتمع، المدرسة، والعمل في فرض قواعد وضوابط تجعلنا غالبًا نتجاهل تلك الموهبة الفطرية، ونخفي الطفل الفنان بداخلنا. لماذا يختفي الإبداع مع التقدم في العمر؟ لماذا الكثير منا يتوقف عن ممارسة مواهبه وهواياته؟ أعتقد أن هناك عدة أسباب لذلك أولها شعور الخوف من النقد والسعي للكمال والمثالية ومن خلال الخوف نفقد الجرأة على التعبير عن أنفسنا لأننا نخشى أحكام الآخرين. الأمر الثاني الروتين والمسؤوليات والانشغالات اليومية أصبحت تحد من وقتنا لاكتشاف الإبداع وممارسته. الفن والإبداع ليس محصورًا في الرسم أو الموسيقى، بل يمتد إلى كل شكل من أشكال الإبداع: الكتابة، التصوير، الطهي، وحتى التفكير بطريقة مبتكرة (خارج الصندوق) المهم هو إعادة التواصل مع الفنان الداخلي ذلك الطفل الصغير كما يقول بيكاسو. وهناك طرق يمكن الاستعانة بها لاكتشاف الموهبة والإبداع وقد طبقتها شخصياً ووجدت أنها نافعة كثيراً، أولاً: ابدأ بالعودة إلى طفولتك، اسأل نفسك وحاول أن تتذكر الأنشطة التي أحببتها منذ الصغر، والألعاب التي قضيت فيها ساعات طويلة من الانسجام والسعادة، أو استعين بالوالدين وأقاربك، الآخرون ترسخ في ذاكرتهم مواقف نحن قد نسيناها! غالبًا ما تكون اهتمامات الطفولة المبكرة هي البذرة الأولى لموهبتك الفطرية وأنت لا تعلم ذلك. ثانياً: التجربة والاستكشاف، انطلق ولا تتردد في تجربة أنشطة جديدة خارج نطاق معرفتك المعتادة، حتى وإن بدت لك غير مألوفة وأنتابك الخوف من التجربة، أحيانًا يكتشف الإنسان شغفه في مجال لم يفكر فيه من قبل. ثالثاً: تأمل إنجازاتك الصغيرة وراقب الأمور التي تنجزها بسهولة، قد نجد في كل عائلة فرد نسميه (IT) أو المهندس من باب الدعابة وفي كل مرة يتعطل جهاز توكل له مهمة إصلاحه، والأمثلة في هذا السياق كثيرة، الفكرة أن تفوقك على أقرانك بشيء ما وإن بدى بسيطاً، هي الإشارة الأولى لموهبتك الحقيقية. عندما يكتشف الإنسان مواهبه ويعمل على تنميتها، فإنه يكشف عن جزء أصيل من هويته. الإلهام والإبداع ليس ترفًا، بل وسيلة لفهم الذات والتعبير عن المشاعر والأفكار بطرق لا تستطيع الكلمات وحدها نقلها. وذلك الطفل الفنان الذي ولد معنا لا يختفي، بل يُغطى بالقيود والالتزامات. مهمتنا أن نزيل هذه القيود، نعيد اكتشاف الإبداع في حياتنا، ونمنح أنفسنا فرصة لنكون فنانين مرة أخرى. كل رسمة، فكرة، أو تجربة مبتكرة هي خطوة لإعادة الطفل الفنان إلى الحياة اليومية. ابحث في أعماقك واكتشف ذاتك وأظهر إبداعك للعلن، فلعل الطفل الفنان الذي كنّاه لا يزال ينتظر أن نمنحه فرصة ليُكمل الرسم.