انطلاقًا من الدور الريادي لمنظومة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية ومواءمتها مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، تبرز الحاجة إلى تبنّي نماذج مرنة في سياسات القبول الجامعي، ومن أبرزها فتح باب القبول في برامج الدراسات العليا على مدار العام، كأحد الحلول الداعمة لتوسيع فرص التعليم، وتحقيق التنافسية، وتسريع الاستجابة لمتغيرات سوق العمل. لقد أثبتت الممارسات العالمية في عدد من الدول المتقدمة أن أنظمة القبول المرنة تُسهم بشكل مباشر في تحسين مخرجات التعليم العالي، وتحقيق المواءمة مع احتياجات التنمية، فعلى سبيل المثال: في الولاياتالمتحدة الأميركية وأستراليا والمملكة المتحدة، تعتمد العديد من الجامعات نظام القبول المستمر طوال العام الدراسي، بما يسمح للطلبة بالالتحاق في فصول دراسية مختلفة (الخريف، والربيع، والصيف)، وفقًا لجاهزيتهم الأكاديمية وظروفهم المهنية، مما يدعم استقطاب الكفاءات المحلية والدولية في الوقت المناسب، وبما يُمكّن من تلبية الاحتياجات الفورية لمشاريع الابتكار أو البحث العلمي. وبالعودة إلى السياق المحلي، فإن اعتماد نظام القبول المستمر في الجامعات السعودية يمثل خطوة استراتيجية تدعم تحقيق أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج رؤية المملكة 2030، حيث يُسهم هذا الإجراء في رفع كفاءة النظام التعليمي الجامعي من خلال إتاحة فرص الالتحاق بالدراسات العليا في أوقات متعددة خلال العام الأكاديمي. كذلك يساعد في تمكين الكفاءات الوطنية من تطوير مهاراتهم دون التأخر في الانتقال بين المراحل التعليمية. وأخيرًا وليس آخرًا تحقيق مرونة في المواءمة مع سوق العمل، مما يُسهم في تعزيز جاهزية الخريجين والموظفين لتولي أدوار قيادية وتنموية. إن هذا التوجه لا يقتصر على الجانب الأكاديمي فقط، بل يمتد ليكون جزءًا من التحول الوطني نحو الاقتصاد المعرفي، من خلال دعم رأس المال البشري، وتفعيل دور الجامعات كمراكز تنموية وابتكارية فاعلة. إن تبني نظام القبول المستمر لبرامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية يُعد ضرورة تنظيمية واستراتيجية في المرحلة الراهنة، ومن شأنه أن يُسهم في تحقيق جودة التعليم، وتعزيز دور الجامعات في التنمية الوطنية، ورفع الجاهزية التنافسية للمواطن السعودي محليًا ودوليًا. وفي هذا السياق، فإننا نترقب من إحدى الجامعات السعودية أن "تقرع الجرس أولًا"، وتبادر بتطبيق هذا النموذج الريادي في القبول، لتكون لها قيادة التغيير، وتفتح الطريق أمام بقية الجامعات نحو تبنّي أنظمة قبول مرنة تتماشى مع طموحات الوطن والمواطن. *عضو مجلس الشورى