أعلنت دمشق الثلاثاء عن "وقف شامل لإطلاق النار" مع الأكراد في شمال وشمال شرق البلاد، عقب لقاء جمع قائد قوات سورية الديموقراطية مظلوم عبدي مع الرئيس أحمد الشرع في دمشق، غداة اشتباكات بين قوات حكومية وأخرى كردية في مدينة حلب أسفرت عن مقتل شخصين. ويأتي إعلان وقف إطلاق النار بينما أخّرت خلافات كبيرة بين السلطات الانتقالية والإدارة الذاتية الكردية تنفيذ اتفاق تم التوصل إليه في مارس الماضي، وتضمّن بنودا عدّة حول دمج المؤسسات المدنية والعسكرية للإدارة الذاتية الكردية في المؤسسات الوطنية. وكتب وزير الدفاع مرهف أبو قصرة في منشور على إكس "التقيت قبل قليل بالسيد مظلوم عبدي في العاصمة دمشق واتفقنا على وقفٍ شاملٍ لإطلاق النار بكافة المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال وشمال شرق سورية، على أن يبدأ تنفيذ هذا الاتفاق فوريا". وقال مصدر حكومي إن اللقاء بين عبدي وأبو قصرة جاء بعد لقاء عبدي مع الرئيس أحمد الشرع بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي توم باراك وقائد القيادة الوسطى الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) براد كوبر، و"ناقش قضايا أمنية تتعلق باتفاق العاشر من آذار". وجاء الاجتماع غداة إعلان المبعوث الأميركي إلى سورية توم باراك الاثنين عن لقاء جمعه مع قائد قوات سورية الديموقراطية مظلوم عبدي تخلّلته "محادثات هامة" بحضور كوبر في شمال شرق سورية. وقال عبدي من جهته إنهم ناقشوا "عددا من القضايا التي تهدف إلى دعم التكامل السياسي في سورية، والحفاظ على وحدة أراضي البلاد، وخلق بيئة آمنة لجميع مكونات الشعب السوري، بالإضافة إلى ضمان استمرار الجهود لمكافحة تنظيم"داعش" في المنطقة". ويسري في مدينة حلب الثلاثاء وقف لإطلاق النار أعلنت السلطات التوصل إليه فجرا عقب تصعيد بين قواتها وقوات كردية أسفر عن مقتل شخصين. وبدأ التوتر ليل الاثنين في حيي الشيخ مقصود والأشرفية اللذين تقطنهما غالبية كردية، حيث اتهمت سلطات دمشق القوات الكردية بقصف الحيين. وأعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية فجر الثلاثاء "التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي الشيخ مقصود والأشرفية". وقال مصدر أمني من السلطات السورية لوكالة فرانس برس "ملتزمون بقرار وقف إطلاق النار ما لم يُخرق من الجهة الأخرى، ونحن على استعداد لتنفيذ أوامر الإدارة العسكرية". وكان التلفزيون الرسمي أفاد فجرا بأن الاشتباكات توقّفت بعد إعلان وقف النار، بعدما تحدث عن تصعيد ليلا في الحيين أسفر عن مقتل عنصر أمن ومدني بقصف نسبه إلى القوات الكردية. وتحدّث عن "نزوح عشرات" العائلات من الحيين "جراء استهداف قسد للمنطقة بالرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون". نزوح أعداد كبيرة وقال الموظف المتقاعد سنان رجب باشا (67 عاما) من سكان حي الشيخ مقصود "شعرنا بالخوف وقررنا صباح هذا اليوم مغادرة منزلنا في حي الشيخ مقصود باتجاه منزل أقاربنا وسط حلب". وأضاف لفرانس برس "أثناء خروجنا، لاحظنا نزوح اعداد كبيرة من العائلات من حي الشيخ مقصود والأشرفية والسريان الجديدة، شاهدناهم وتحدثنا معهم وبعضهم ليس لديه مكان يذهب إليه". ونفت قوات سورية الديموقراطية في بيان شنّ أيّ هجوم على قوات الأمن الحكومية، مشيرة إلى أنّ "ما يجري في حلب هو نتيجة مباشرة لاستفزازات فصائل الحكومة المؤقتة ومحاولاتها التوغّل بالدبابات". وقالت إن "الأهالي يدافعون عن أنفسهم، إلى جانب قوى الأمن الداخلي في الحيّين، التي تقوم بواجبها في حماية المدنيين وحفظ الأمن والاستقرار". وقال المرصد إن قوات تابعة لوزارة الدفاع السورية نفذت "قصفا بالرشاشات الثقيلة والمتوسطة على مناطق متفرقة من الحيّين" اللذين تقطنهما غالبية كردية، وأنها استخدمت كذلك "طائرات مسيّرة انتحارية لاستهداف مواقع في عمق الشيخ مقصود، ما تسبّب في أضرار مادية كبيرة". وتسيطر قوات السلطات الانتقالية السورية على حلب منذ أطاحت فصائل معارضة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر 2024. الا أن قوات كردية محلية مرتبطة بقوات سورية الديموقراطية وقوى الأمن الداخلي التابعة لها (الأسايش) تسيطر على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، على الرّغم من أنّ "قسد" انسحبت رسميا من هذين الحيّين في أبريل الماضي في إطار اتفاق أبرمته مع دمشق. وبينما يطالب الأكراد بنظام لامركزي موسع يحافظ على قدر من استقلالية الإدارة الذاتية التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال وشمال شرق سورية، تؤكد السلطات في دمشق رفضها الفدرالية. ومنذ وصول السلطات الجديدة إلى الحكم في ديسمبر، وجهت الإدارة الذاتية انتقادات عديدة لها، على خلفية الإعلان الدستوري ثم تشكيل حكومة قالت إنها لا تعكس التنوع وأخيرا اختيار أعضاء مجلس الشعب الشهر الحالي الذي استثنت منه محافظات الرقة والحسكة والسويداء. تشكيل أول برلمان بعد الإطاحة بالأسد انطلقت الأحد عملية اختيار أول برلمان في سورية بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، وسط انتقادات تطال الآلية التي تمنح الرئيس أحمد الشرع صلاحية تعيين ثلث أعضائه، واستبعاد تمثيل ثلاث محافظات لأسباب "أمنية". واتخذ الشرع عقب إطاحة الأسد في الثامن من ديسمبر، سلسلة خطوات لإدارة المرحلة الانتقالية، شملت حلّ مجلس الشعب، ثم توقيع إعلان دستوري حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ونصّ على آلية اختيار مجلس يمارس صلاحياته إلى حين وضع دستور دائم للبلاد وإجراء انتخابات على أساسه. وشاهد مراسل فرانس برس عشرات الناخبين يصطفون في المكتبة الوطنية في دمشق، التي كانت تسمى سابقا مكتبة الأسد، للإدلاء بأصواتهم. وسيُشكّل البرلمان، وولايته ثلاثون شهرا قابلة للتجديد، بناء على آلية حدّدها الإعلان الدستوري، وليس بانتخابات مباشرة من الشعب. وبموجب الآلية، تنتخب هيئات مناطقية شكّلتها لجنة عليا عيّن الشرع أعضاءها، ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 210، على أن يعيّن الرئيس الثلث الباقي. ويتنافس للفوز بمقاعد المجلس 1578 مرشحا، 14 في المئة منهم فقط نساء، وفق اللجنة العليا للانتخابات. وبين هؤلاء السوري الأميركي هنري حمرا، نجل آخر حاخام غادر سوريا في التسعينات، وهو أول مرشح للطائفة اليهودية منذ قرابة سبعة عقود. ويوجّه سوريون انتقادات صريحة لعملية تشكيل البرلمان الجديد. مرهف أبو قصرة