بقلوب يعتصرها الحزن ويغمرها رضا بقضاء الله وقدره نودع اليوم العالم الجليل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الذي ارتحل عن دنيانا يوم الثلاثاء الأول من ربيع الآخر 1447ه الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر 2025م بعد حياة حافلة بالعلم والدعوة وترك إرثا خالدا في وجدان المسلمين في الداخل والخارج. وُلد الشيخ عبد العزيز في مكةالمكرمة عام 1362ه 1943م ونشأ في بيت علم ودعوة ممتد من إرث الشيخ محمد بن عبد الوهاب فحمل هم العلم الشرعي، فقد بصره في طفولته لكن الله عوضه بنور البصيرة فكان عينه على سماء العلم مشرقة وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وتلقى العلم على أيدي أعلام كبار العلماء كان أبرزهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الذين صقلوا علمه وزادوا من سموه وعلو مكانته. التحق شيخنا بمعهد إمام الدعوة ثم بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرج عام 1384ه ليبدأ مسيرة علمية مباركة ملؤها العطاء والجد والاجتهاد. تدرج الشيخ عبد العزيز في مناصب التعليم والدعوة فكان مدرسا ثم أستاذا مساعدا ومشاركًا بكلية الشريعة بالرياض وعضوا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حتى اختاره الله مفتيًا عامًا للمملكة ورئيسًا لهيئة كبار العلماء في عام 1420ه خلفًا للشيخ عبد العزيز بن باز ليحمل أمانة عظيمة في بيان كلمة الحق وإرشاد الناس وتثبيت نهج الاعتدال والوسطية. لم يكن الشيخ عبد العزيز مجرد عالم على منبر الفتوى بل كان أبًا وأخًا وناصحًا يحمل هم الأمة في قلبه ويعالج قضاياها برؤى فقهية وروح تربوية عُرف بخطبه المؤثرة في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض وبصوته المهيب الذي يجلجل في صعيد عرفات كل موسم حج فتلامس كلماته القلوب وتزرع الطمأنينة في النفوس ويظل صوته عاليا شامخا في جبال عرفات ملهمًا للحجاج من شتى بقاع الأرض ناشرًا روح الإيمان والسكينة. ترك الشيخ عبد العزيز إرثًا علميًا وفكريًا غنيًا من مؤلفات وبحوث وخطب منها كتاب حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله وكتاب الله عز وجل ومكانته العظيمة إضافة إلى فتاواه التي تناولت مختلف أبواب العقيدة والعبادة والمعاملات فكان مرجعًا للمسلمين في كل زمان ومكان. برحيله طوى الزمان صفحة من صفحات العلماء الربانيين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدين والوطن والأمة وكان حاضرا في وجدان المسلمين بعلمه وسموه وورعه وترك فراغًا كبيرًا في الساحة الإسلامية إلا أن عزاءنا أنه خلّف علما ينتفع به وسيرةً ناصعة وأجيالا من طلاب العلم تواصل حمل رسالته بكل إخلاص. رحم الله الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.