أثناء زيارة البريطاني غوري برفقة الدبلوماسي السير أندرو للرياض والتقائهم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كانوا قد دعاهم الملك لحضور سباق الخيل عصرا على مضمار السباق شرق الرياض، كان السير أندرو قد أتم جل عمله الدبلوماسي عندما انطلقوا في اليوم التالي إلى شارع سباق الخيل بالملز، وجدوا في هذه الأثناء حشودا تغادر المدينة في طريقها نحو السرادق الصغير على رابية كانت هي المنصة الملكية، عند اكتمال حضورهم أعلنت سحب صغيرة من الغبار كانت ترتفع من خلف الحشد قرب المنصة الملكية أين كان الخيالة يركبون استعدادا للشوط الأول، كان سباقا ويعدون في الجوار ليعرضوا متباهين سرعات خطا خيولهم. حالما تم إجلاسهم إلى جانب الملك أعطيت الإشارة من أجل بدء السباق الأول، كان سباقا لمسافة العشرين كيلو متر بما يعادل الدوران أربع مرات حول المضمار، إن بصر العرب كما قال جيد جدا فكان كل واحدا باستثنائهم قادرا على متابعة تقدم السباق وتفاصيله حتى في الطرف البعيد من المضمار، كان الخيالة معظمهم أفراد من العائلة الملكية، يركبون بسرج لكن في معظم الحالات بدون ركابات أو بالركاب العربي الصغير الأحادي القضيب فقط، كانت السحابة الصغيرة من الغبار تتبع الراكبين باتجاههم مثل إعصار غباري يقترب، ولا يكاد يسمع في هذه الأثناء سوى التهليل الهامس وفي نهاية هذا الشوط أحضرت الأحصنة المتعرقة أمام المنصة في حين كان الملك يقوم بتهنئة الفائزين بكلمة مديح واحدة أو كلمتين. بعد ثلاثة سباقات ركب أمير التاج نفسه حصانه (يقصد الملك سعود) ومر أمام المنصة يتبعه فارس يحمل رمحا، ركب كل الذين يملكون أحصنة آنذاك وشكلوا أنفسهم في مجموعات حول الأمير الذي ينتمون إلى أسرته، كان الراكبون قد خلعوا الغتر ورموا عصابات رؤوسهم (عقالاتهم) فوق أكتافهم وكان كل واحدا يحمل سلاحا.. الأمراء يحملون السيوف وأتباعهم يحملون البنادق أو الرماح. استأذن أمير التاج المك بالبدء. فابتعد الأفرقاء ممتطين خيولهم وتتخذوا خيولهم كل مقابل الآخر في مجموعتين أو ثلاثا على كل جانب.. بدأوا يخبون ببطء حول بعضهم البعض، في حين خرج الراكبون المنفردون في المقدمة ليلعبوا لعبة الرماح المعروفة باسم (الجريد) والتي يطارد فيها الخيال خيالا آخر وعند ما يقترب بما يكفي يسدد رمحا خشبيا كما يسدده للطريدة. بدأت المجموعات حسب وصفه تدريجيا بالدوران بسرعة مرة أو مرتين. خرجت طلقة إذ كان رامي البندقية يمسك سلاحه عاليا عن طريق (طرفه المستدق) وهو يطلق النار بأصابع اليد نفسها. في هذا الوقت أصدر الأمراء الأوامر لرجالهم والمناورات السريعة حلت محل البطيئة، في كل لحظة كانت تصبح أكثر شبها بمناوشات حقيقية. فجأة أظهر أحد الأفرقاء تحديا -راكبا ركوبا هجوميا مباشرا إلى الآخر- بطريقة ما فتح جماعة العدو صفوفهم أو تفادوا انهيار الحيوانات والحوادث التي بدت مؤكدة. كانت تلك الإشارة من أجل الهجوم المضاد والتحول إلى الزخم الكامل للسباق. كانت طلقات البنادق الآن تطلق كل بضعة ثواني. كان الأمراء يقودون رجالهم بنوع من الركوب الموسيقي العالي السرعة الجامح بتصويب رائع -كله الأكثر تأثيرا لأنه لم يكن ثمة ترتيب مخطط بدقة. انطلق غبار المعركة والدخان المتصاعد من الخرطوش المصنوع منزليا عبر الميدان فجأة مر أمامهم. بعدو سريع كامل وسيف طويل مرفوع عاليا أمامه، وشعره وجدائله يتطايران، وعيناه تشعان فخرا لا يعرفه سوى الجنود الصغار في السن.. الأمير فيصل نائب الملك في مكةالمكرمة جاء رجاله يتسابقون بعده. وضفائر شعورهم الطويلة تنساب وراءهم، بعضهم نصف عارٍ، لأن العرب يتجردون من الملابس من أجل المعركة، وكلهم في قمة الإثارة. فريق أمير التاج، الباسل بالقدر نفسه، لكنه يلتزم ترتيبا أكثر صرامة، جاء يزهو إلى الهجوم، وهم يعدون بأقصى سرعة أمامهم، أنقضوا على عدوهم (هدفهم) ثم في اللحظة الأخيرة وبدقة مثيرة للإعجاب حضروا جميعا واقفين، والأحصنة على أوراكها متلاصقة أمام المنصة. حيا الأمراء الملك وانتهى السباق. بالحركة المفاجئة للجمهور بعقل واحد. بدأ الحشد من الناس آخذا إشارته من الملك، يهرع عائدا إلى الرياض في أعقاب الموكب الملكي. كان ثمة توقف لا تفسير له، عن طريق الخندق خارج الأسوار إلى أن ركب أحد الأمراء الصغار وطلب منهم بلباقة ساحرة، وهو ينحني على عنق حصانه، أن يتحلوا بالصبر قال: (شقيقي فيصل يركب هنا). نزولا إلى منخفض شعيب البطحاء. جاء فيصل يخب وصفق الجمهور متمتما عندما مر هو ومرافقوه أمامهم. ودخلوا بوابة العاصمة. ومرة أخرى تابع حشد الناس تقدمه.