سعود العتيبي رحمه الله... تعجز الكلمات عن إنصافه ومنحه ما يستحق؛ فالكلمات تتقزّم أمام ذكره الطيّب وسيرته العطرة. فقدنا أخًا غاليًا كريمًا نبيلاً، طيبًا شهمًا صاحب مبدأ، عزيزَ النفس لا يساوم على القيم، ولا يجامل على حساب الحقيقة، ولا يحب المداهنة. كان صادقًا فيما يقول، يحمل قلبًا مرهفًا بالمشاعر والإنسانية، التسامح والطيب سمتاه، ولا يخيّب من يحتاج إليه في أي موقف، تجده حاضرًا معك في الشدائد، قليلٌ مثله في هذا الزمن من صفاء قلب وسريرة، وإيثار وحبٍّ للخير؛ فقد جمع كل خصال النبل الإنساني والوفاء. كنت أقول له وللزملاء، مازحًا وصادقًا: أنت من زمن التابعين؛ لما ألمسه في شخصيته من رُقيّ مهذّب، وحرصٍ على عدم جرح مشاعر مَن أمامه مهما كان فكره أو مستواه، وكنت أضيف: يفترض أنك عشت في زمن الرعيل الأول مع التابعين في صدر الإسلام، لا في زماننا هذا. وما ذلك إلا لما يحمله قلبه من نقاء وصفاء وصدق ومحبة ورحمة وحب للخير، ترى في شخصيته علوًّا وزهدًا عمّا في أيدي الناس، فلا يحمل في نفسه على أحد، وسخيٌّ بما يملك حتى لو كان هو أحوج، يؤثر على نفسه دائمًا، فالذي في يده ليس له وحده. أحد الزملاء (فضّل عدم ذكر اسمه) روى لي قصة تدل على كرمه الخفي: حين انضم سعود العتيبي إلى الجمعية العمومية لمؤسسة اليمامة الصحفية قبل سنوات، مُنح مع مجموعة من الإعلاميين أسهمًا، وحصل في أحد الأعوام على ربح قدره خمسة آلاف ريال؛ فمزح معه ذلك الزميل قائلاً: يا أبا عبدالعزيز، كنتُ أولى بهذه الأرباح، فأنا بحاجة إليها أكثر منك. ابتسم سعود وقال: تعال معي مشوارًا قريبًا. يواصل الراوي: "ذهبنا إلى البنك، صرف الشيك، ثم التفت إليّ قائلًا: هل تسمح أن آخذ 500 ريال؟ وأعطاني باقي المبلغ. قلت له: كنت أمزح! فرد بإصرار: والله لتأخذه". وكان هو –رحمه الله– أحوج مني إليه، هذا موقف واحد من أياديه البيضاء، وهناك كثير من المواقف الإنسانية التي لا تُحصى، إذ زرع الحب والرحمة في قلوب الناس دون انتظار جزاء أو شكر. أذكر أيضًا موقفًا شخصيًا يدل على طيبته وتواضعه، قبل نحو 18 عامًا اصطحبت ابني فهد –وكان في الخامسة– إلى عملي بمجلة اليمامة مساءً، ما إن رآه سعود حتى بادر يلاطفه ويداعبه، وأخذه إلى مكتبه، ثم نزل به إلى الدور الأرضي حيث آلة للقهوة والعصائر والحلويات، فاشترى له من كل صنف، ووضع في جيبه مبلغًا ماليًا، حين عدت قلت: ما هذا يا أبا عبدالعزيز؟ فأجاب ضاحكًا: امشِ، هذا صديقي... روح شوف شغلك! بأسلوبه المرح وابتسامته الدائمة. كان بإمكانه أن يرسل عامل البوفيه، لكن قلبه الصافي وحبّه لزرع الفرح في قلب الطفل جعله يخصّه بهذا الاهتمام. رحمك الله يا صاحب القلب الحنون. أما سيرته في الإعلام والصحافة، فقد لخصها هو نفسه في حسابه على منصة X (تويتر سابقًا) بعبارة: أنا من ضيّع في الإعلام عمره، والحقيقة أنه لم يضيّع عمره بل صنع مدرسةً إعلامية، قضى حياته كلها في ميدان الصحافة، وتتلمذ على يديه جيل من الإعلاميين بخبرته ومهارته المميزة. كان أحد عمالقة الإعلام الذين عرفتهم، متميز الحضور والأسلوب، أمضى جل سنواته في بلاط صاحبة الجلالة، وتنقّل بين مطبوعات مؤسسة اليمامة الصحفية –"جريدة الرياض" و"مجلة اليمامة" – مديرًا لتحريرها سنوات طوال. كانت بصماته واضحة في صفحات المجلة؛ يرسم الكلمة والعنوان بسلاسة، ويكتب بأسلوب ممتع متفرّد، يشهد الجميع بروعة قلمه وإبداعه الذي أسر من عرفه، سيظل اسمه حاضرًا في وجدان الصحافة والإعلام السعودي وكل من زاملوه. وقد أبدع في الكتابة عنه صديقنا العزيز عبدالعزيز النصافي، إذ خصّه بمقال بعنوان "سعود العتيبي: ذهب يلمع فوق الغيم"، جاء بأسلوب شاعري آسر من أوله إلى آخره. رحم الله الأخ والزميل والصديق والأستاذ والمدير سعود العتيبي، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في مستقر رحمته. إنا لله وإنا إليه راجعون. *مدير الإصدارات الصحفية بمجلة اليمامة سابقًا