إلقاء السّلام ابتداءً من السنن العظيمة، وإذا كان معك غيرك كان إلقاء السلام سنة كفائيّة في حقّكم، فإذا مرّ اثنان أو جماعة بشخص أو جماعة، وبادر أحد المارّة بإلقاء السلام كان مؤديًا للسنة عن نفسه وعن رفقائه على حدّ سواء، وأقلّ ما تتأدّى به تحية السلام: (السلام عليكم)، فإذا زاد ازداد أجره، ولا ينبغي الزهد في تلك الزيادة.. يحرص الإسلام على مدّ الجسور بين الأفراد، وإشاعة الودّ والوئام في المجتمع، وقد شرع في سبيل تحقيق ذلك منظومةً متكاملةً من الوسائل، تُفضي إلى ذلك المقصد النبيل، ومن ضمن تلك الوسائل حقوقٌ اجتماعيّةٌ عامةٌ متبادلةٌ بين الناس، تترجم عن الأخوّة والتعاطُف وزكاء النُّفوس، وكثيرٌ من هذه الحقوق لا تستدعي جهداً بدنيّاً، ولا تكلفةً ماديّةً، بل تكون بأفعال وأقوال ميسورة، لكن لها قيمةٌ لا تُضاهى، ومن تلك الحقوق بثُّ السلام، وهو أكثرها شُيوعاً، والبواقي إنما يُؤتى بها لمناسبة معيَّنة كعيادة المريض وإجابة الدعوة، أما السلام فمطلوبٌ كلَّما تجدَّدَ اللّقاءُ، والسلام كلماتٌ خفيفةٌ على اللسان، لكنها تخرجُ من قلب الأخ ناطقةً بلسان المودة، فيهشُّ لها قلب من تلقّاها، وتجلب المحبة والوئام، ومصداق ذلك ما ورد في حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمنُوا، وَلَا تُؤْمنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْء إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»، أخرجه مسلمٌ، وقال بعض العرب: كيف أَصْبَحْتَ كيف أَمْسَيْتَ ممَّا يَزْرَعُ الوُدَّ في فؤاد الكريم وقد توهّم كثيرٌ من الناس أن كثرةَ مواطن مشروعيّة السلام يقلّلُ من أهميَّته، وليس كذلك، بل تشريعُه هكذا دليلٌ على عمق أثره، وعلوّ منزلته بين الحقوق، ولي مع تحية الإسلام وقفات: الأولى: إلقاء السّلام ابتداءً من السنن العظيمة، وإذا كان معك غيرك كان إلقاء السلام سنةً كفائيّةً في حقّكم، فإذا مرّ اثنان أو جماعةٌ بشخص أو جماعة، وبادرَ أحدُ المارَّة بإلقاء السلام كان مؤدياً للسنة عن نفسه وعن رفقائه على حدّ سواء، وأقلُّ ما تتأدّى به تحية السلام: (السلام عليكم)، فإذا زاد ازداد أجره، ولا ينبغي الزهد في تلك الزيادة، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ وَهُوَ في مَجْلس فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ: (عَشْرُ حَسَنَات)، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه، فَقَالَ: (عشْرُونَ حَسَنَةً)، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ: (ثَلَاثُونَ حَسَنَةً)، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني، وأولى الأوقات بالمبادرة بإلقاء السلام هو وقت الهجران؛ لأن المبادر به خيرٌ من صاحبه، فعنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَاريّ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَحلُّ لرَجُل أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث لَيَال، يَلْتَقيَان: فَيُعْرضُ هَذَا وَيُعْرضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذي يَبْدَأُ بالسَّلاَم " متفق عليه. الثانية: ردُّ السلام فرضٌ لا يسوغ تركه، وإذا أُلقيَ السلام على أكثر من شخص في مكان واحد، كان ردُّه فرضَ كفاية إذا قام به أحدهم سقطَ عن البقيّة، ولا أقلَّ من أن يكونَ الردُّ كالسلام الأول، فإن زاد فهو خيرٌ، كما قال تعالى: (وَإذَا حُيّيتُمْ بتَحيَّة فَحَيُّوا بأَحْسَنَ منْهَا أَوْ رُدُّوهَا)، فلا يسوغ لمن ألقي عليه السلامُ أن يجيب بقوله: "هَلَا"، أو "مرحبا"، أو نحو ذلك، فهذا ليس ردّاً للسلام، فمعنى قولنا: السلام عليكم: سلمّكم الله من الأضرار والآفات، فهي صيغة دعاء، وفيه طَمْأَنَةٌ وتأمينٌ، كما قال بعض العلماء، فيحملُ معنى: أنت في أمان من إيذائي لك، فأعطني الأمان من أذاك، والسَّلام هو تحيةُ أهل الجنة كما قال تعالى: (وتحيتهم فيهَا سَلام} قال بعض المفسرين: (يعْنى: تَحيَّة بَعضهم بَعْضًا يكون بالسَّلَام، أو تَحيَّة الْمَلَائكَة لَهُم بالسَّلَام، أو تَحيَّة الله لَهُم بالسَّلَام)، فكيف تنوب كلمة "هلا" عن ردّ هذه التحيّة العظيمة؟ الثالثة: للسلام آدابٌ شرعيّة ينبغي أن يُعتَنى بها، فمنها ما يتعلق بمن يطلب منه أن يبادر به، وقد ورد في ذلك حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ: «يُسَلّمُ الصَّغيرُ عَلَى الكَبير، وَالمَارُّ عَلَى القَاعد، وَالقَليلُ عَلَى الكَثير»، ومنها أن تراعى المصلحةُ في مستوى الصوت، فإذا سلم في مكان فيه نائمون ومستيقظون أسمع اليقظان، ولم يُوقظ النَّائمَ، فعن المقداد بن الأسود رَضيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَجيءُ منَ اللَّيْل فَيُسَلّمُ تسليماً لا يُوقظُ نائماً ويُسْمعُ اليَقْظَان)، أخرجه مسلمٌ، ومنها بذلُ السلام على وجه العموم، وهذا هو المقصود بإفشاء السلام، أي تكثيرُه وإشاعته، وذلك من أعظم الأعمال، فعَنْ عَبْداللَّه بْن عَمْرو رَضيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: أَيُّ الإسْلاَم خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرفْ»، متفق عليه، فإلقاء السلام على من عرفتَ ومن لم تعرف من أعظم أعمال الإسلام، ونجده في هذا الحديث قد قُرنَ بإطعام الطعام المعلوم ما فيه من الكُلفة الماديّة، وفي هذا دليل على أنَّ إشباعَ الروح بالمودّة كإشباع البطون بالمأكول.