تُعدّ الثقافة والفنون وجهين لعملة واحدة، إذ تنعكس كلٌّ منهما في الأخرى لتشكّلا معًا ملامح الهوية الإنسانية للأمم. فالثقافة بما تحمله من قيم ومعارف وتقاليد، تمنح الفنون مادتها الخام ومصادر إلهامها، بينما تأتي الفنون لتترجم تلك القيم إلى صور حيّة وملموسة تُخاطب الوجدان وتثير الخيال. ومن خلال هذا التفاعل المتبادل، يتكوّن المنتج الحضاري للدولة، الذي لا يقتصر على منجزات مادية، بل يتجاوزها إلى إرث معنوي خالد. إنّ الفنون، سواءً كانت مسرحًا أو سينما أو موسيقى أو تشكيلًا، تمثل التعبير الأكثر وضوحًا عن العمق الثقافي للشعوب، فهي تجعل الثقافة أكثر قربًا للجمهور وأكثر تأثيرًا، إذ تتحول المفاهيم النظرية إلى صور مرئية وأصوات محسوسة، تُجسّد التاريخ، وتُعيد قراءة الحاضر، وتفتح آفاق المستقبل. ومن هنا فإن أي نهضة ثقافية لا يمكن أن تكتمل دون ازدهار الفنون، كما أنّ الفنون بلا قاعدة ثقافية راسخة تصبح سطحية وعابرة. أما على مستوى المنتج الحضاري، فإن تلاحم الثقافة والفنون يمنح الدولة قوة ناعمة تُمكّنها من الحضور الفعّال في المشهد العالمي، فالدول التي تعتني بتراثها الثقافي وتطوّر فنونها المعاصرة، تترك بصمتها واضحة على الحضارة الإنسانية، وتبني جسور التواصل مع الشعوب الأخرى بلغة جمالية يفهمها الجميع. ومن هنا يتضح أنّ الاستثمار في الثقافة والفنون ليس ترفًا، بل هو ركيزة من ركائز التنمية الشاملة وبناء صورة مشرقة للدولة وحضارتها. وهذا ما يحدث فعلياً من خلال المنجز العظيم الذي تترجمه على أرض الواقع وزارة الثقافة والجهات ذات العلاقة في المملكة العربية السعودية، من خلال تطبيق رؤية المملكة 2030 التي جعلت من الثقافة والفنون ركيزة أساسية في التنمية، وبناء الإنسان السعودي المعاصر، وجعلت منها مشاريع ريعية، ذات مردود عبر الاقتصاد الإبداعي الذي بدأ يثمر ونرى ثماره واضحة جلية في العديد من المشروعات الجبارة في بلادنا.