بعد سنوات طويلة من النقاشات والاختلافات، أسدل الاتحاد السعودي لكرة القدم الستار على واحد من أكثر الملفات تعقيدًا في تاريخ الرياضة السعودية، بإعلان نتائج مشروع "توثيق بطولات كرة القدم السعودية"، هذا المشروع الذي كلّف به فريق عمل متخصص، جاء ليضع النقاط على الحروف ويوثق بالأرقام والحقائق عدد البطولات الرسمية التي حققتها الأندية منذ انطلاقة المنافسات الكروية في المملكة. الخطوة التي وُصفت بالجريئة والتاريخية اعتُبرت إنجازًا إداريًا غير مسبوق، لأنها أنهت عقودًا من الجدل الذي كان يطفو على السطح مع كل موسم كروي جديد. فعدد البطولات لطالما كان ساحة صراع بين الجماهير والإدارات الإعلامية للأندية، بل وحتى بين وسائل الإعلام المختلفة التي لم تجد مرجعًا رسميًا موحدًا. ومع أن الاتحاد السعودي لكرة القدم أعلن بوضوح أن هذا التوثيق سيكون المرجع الرسمي والوحيد الذي يُعتد به في المحافل المحلية والدولية، إلا أن التحدي الحقيقي يبدأ الآن. فالجماهير -التي عاشت عقودًا وهي تبني قناعاتها وأرقامها الخاصة- لن تتخلى بسهولة عن رواياتها، ومن هنا يستمر الجدل رغم وضوح الصورة من الناحية الرسمية. ما يُنتظر من الأندية الآن هو التعامل بمسؤولية مع هذه المرحلة الجديدة، والاعتراف علنًا بالنتائج عبر منصاتها الرسمية ووسائل إعلامها المختلفة، حتى يكون ذلك خطوة في اتجاه غرس ثقافة التوثيق والشفافية. أما الجماهير، فمن الطبيعي أن تحتفظ بآرائها ومواقفها، لكن المرجعية الرسمية تظل هي الفيصل الذي يحتكم إليه الجميع، مهما تباينت الميول أو تضاربت الرؤى. قد يستمر الجدل بين المشجعين في المدرجات أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولكن في النهاية سيظل التوثيق هو المرجع الثابت، أما ما عداه فمجرد اجتهادات لا ترتقي لمستوى الحقيقة الموثقة. إن ما قام به الاتحاد السعودي لكرة القدم هو خطوة أولى في مسيرة طويلة نحو صناعة بيئة رياضية أكثر نضجًا واحترافية، بيئة لا تُبنى على المبالغات أو الأرقام المتضاربة، بل على التاريخ المدوّن والمُعترف به رسميًا. ويبقى التحدي الأكبر هو أن يترسخ هذا المفهوم في الوعي الرياضي، حتى تتحول الأرقام من مادة جدلية إلى حقائق ثابتة، ويصبح الجدل في الملعب فقط، لا خارجه. وليد بامرحول