القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    الذكاء الاصطناعي والمستقبل الوظيفي    الذهب يواصل ارتفاعه القياسي مع تزايد الطلب على رهانات خفض أسعار الفائدة    رسوم الأراضي.. المقاصد والأهداف 2-2    73 حالة اشتباه بالتستر    «199044».. الرقم الموحد الجديد للتأمينات    574 مليار ريال أصول الصناديق الخاصة    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    خدعة رومانسية تكلف يابانية «مليون ين»    تحضيراً للملحق الآسيوي المؤهل لمونديال 2026.. الأخضر يواجه مقدونيا ودياً في براغ    في تصفيات أفريقيا المؤهلة للمونديال.. مصر في موقف جيد.. والمغرب لحسم أول بطاقة    استعرضا سبل تعزيز العلاقات الثنائية.. ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطورات الأوضاع الإقليمية    العميد ومشوار اللقب    الواحدي والدغاري يحتفلان بزفاف محمد    تجديد هوية مقيم خارج المملكة عبر منصة أبشر    «منارة العلا» ترصد الخسوف الأحد المقبل    كشافة شباب مكة يطمئنون على الهوساوي    أسماء جلال تنتهي من فيلم «إن غاب القط»    «مدل بيست» تفتح طريق العالمية للموهوبين    نجاح علاج أول مريضة بالخلايا التائية المصنّعة محليًا    إنجاز سعودي.. أريج العطوي تحصل على براءة الاختراع الأميركية في تحسين التوازن النفسي    100 % امتثال تجمع جدة الصحي الثاني    تذكر النصر العظيم، وبناء مستقبل مشرق معًا    لبنان: مسيرات إسرائيلية تسقط قنابل قرب قوات «اليونيفيل»    أمانة الشرقية تناقش تحسين المشهد الحضري    مناشدات للمساعدة في انتشال قتلى انزلاق دارفور    أزمة السوبر تطيح برأس «القاسم»    واحة إستراتيجية ناعمة بتأثير عميق    الأديب جبير المليحان.. نصف قرن من العطاء    "ملاحم الدولة السعودية" يوثق ثلاثة قرون من البطولة والتوحيد..    ركن الوراق    السينما لا تعرف الصفر    السلطة تقلب المبادئ    حُسنُ الختام    منتخب "19 عاماً" يبلغ نصف نهائي الخليج    عالم بشع    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينقذ حياة «صيني» مصاب بعيب خلقي أدى إلى انسداد الأمعاء    منع تجاوز الحواجز التنظيمية في الحرمين    466% فارق إصابات العمل بين القطاعين العام والخاص    6 مليارات ريال قروضا زراعية بالشرقية    المملكة توزع 2.000 سلة غذائية للمتضررين من السيول في مدينة قيسان بولاية النيل الأزرق في السودان    تقرير «الأرصاد» على طاولة أمير الجوف    رئيس مجلس إدارة جمعية الإعاقة السمعية في جازان يلتقي وفد أوقاف الضحيان    غزة: تصاعد الاحتجاجات ودعوات للمفاوضات مع اتساع الغارات    الهجن السعودية تتصدر مهرجان ولي العهد ب 45 شوطاً    " أخضر 19″ يعبر قطر ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الخليج    فضيلة المستشار الشرعي بجازان "التماسك سياج الأوطان، وحصن المجتمعات"    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بجازان يطلق حملة للتبرع بالدم لعام ٢٠٢٥م    جلوي بن عبدالعزيز يدشن مستشفى غرب نجران للولادة والأطفال والعيادات التخصصية    نص لِص!!    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    « البابايا» تعالج أعراض حمى الضنك    خطبة الجمعة.. حقوق كبار السن وواجب المجتمع تجاههم    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    المملكة تعزي السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السمعة.. رصيد استراتيجي لصناعة المستقبل
نشر في الرياض يوم 04 - 09 - 2025

في عصر تُحسم فيه المعارك التنافسية بالسمعة قبل الأرقام، تبرز المملكة العربية السعودية كنموذج طموح يربط بين الرؤية الطموحة وبناء الثقة كأولوية وطنية. دراسة صادرة عن مركز "يونيكوم إنسايتس" في أغسطس 2025 تؤكد أن السمعة لم تعد مجرد انطباع عابر، بل أصبحت "أصلًا غير مرئي" يُحدد مسارات الدول في جذب الاستثمارات، وتعزيز الشرعية الاجتماعية، ورفع المكانة الدولية. وفي ظل تسارع وتيرة تنفيذ "رؤية 2030"، تتحول إدارة السمعة إلى خط دفاع أول لحماية المنجزات الوطنية وضمان استدامتها.
أظهر التقرير أن السمعة الفاعلة تخفض تكاليف الأزمات بنسبة تصل إلى 40 %، وترفع جاذبية الاقتصاد بنسبة 25 % في المؤشرات العالمية، إلى جانب تعزيز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة. ففي السعودية، حيث تُنفَّذ مشاريع ضخمة ك"نيوم" و"القدية"، تصبح السمعة جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الاقتصادية، لا مجرد دعاية. فالمستثمر العالمي اليوم لا ينظر إلى الاتفاقيات فحسب، بل إلى مدى موثوقية الشريك، وهو ما يجعل السمعة أداةً لتحويل الطموحات إلى واقع ملموس.
مع تحول المملكة إلى نموذج يدمج الحداثة بالهوية، تواجه سمعتها ضغوطًا مُتعددة: ارتفاع توقعات المواطنين، وتشدد المعايير الدولية، وبيئة رقمية تُضخّم كل تفصيل. ففي عالم لا تعترف فيه الحدود الافتراضية بالمسافات، يصبح أي قرار محلي مادةً للتحليل العالمي، وأي خطأ اتصالي قد يتحول إلى أزمة. هنا، تبرز الحاجة إلى نهج استباقي يتجاوز "إدارة الأزمات" إلى "صناعة الثقة" قبل حدوث التحديات.
حدد التقرير خمسة ركائز لبناء سمعة فاعلة؛ أولها (الشفافية)، حيث إن كشف آليات اتخاذ القرار يُقلل الشكوك، كما في نشر تفاصيل ميزانية مشاريع "الرؤية" عبر منصات تفاعلية. الركيزة الثانية (الاستجابة الفورية) مثل تحويل ملاحظات المواطنين عبر تطبيقات مثل "منصة بلدي" إلى إجراءات ملموسة. الركيزة الثالثة (المساءلة) هي وجود هيئات رقابية مستقلة، التي تعزز من المصداقية. الركيزة الرابعة (الانسجام مع القيم) من حيث الحفاظ على الهوية الثقافية في خطاب التحديث، كما في مشاريع "الدرعية" و"العلا". والركيزة الخامسة (الكفاءة في الأزمات)، وهي استجابة السعودية السريعة لجائحة كورونا عبر منصات مثل "توكلنا" كانت نموذجًا عالميًّا لتحويل الأزمات إلى فرص لبناء الثقة.
لم تكن تجربة السعودية في إدارة جائحة كورونا محض حظ؛ فالتقرير يقارنها بتجربتي سنغافورة ونيوزيلندا، حيث حوّلت الشفافية والتفاعل المجتمعي الأزمات إلى دفعة لتعزيز السمعة. ففي نيوزيلندا، مثلاً، حوّلت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن الأزمات إلى حوار مباشر مع المواطنين عبر منصات التواصل، ما رفع ثقتهم بنسبة 60 %. هذه الدروس تؤكد أن السمعة تُبنى بالاستثمار في "العلاقات" قبل "النتائج".
يُحذر التقرير من خطر "السرديات الاحتفالية" التي تبتعد عن تفاصيل الحياة اليومية للمواطن، مثل التركيز على الإنجازات دون معالجة التحديات الفردية. ففي بيئة رقمية تسيطر عليها السرديات البديلة، قد تتحول الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع الشارع إلى أرض خصبة للشكوك. الحل، بحسب الدراسة، يكمن في "هندسة الرموز": إعادة تصميم الخطاب برسوم تعبيرية بسيطة، وقصص نجاح واقعية، ولغة قريبة من الشباب، كما فعلت حملة "كيف نكون قدوة" التي ربطت بين القيم والتحديث.
لسد هذه الفجوات، يقترح التقرير إنشاء "المجلس الوطني لإدارة السمعة"، كهيئة تُنسق بين الوزارات لرصد المخاطر الاتصالية لحظيًّا، وتطوير سرديات موحدة. إلى جانبه، يُوصى بإطلاق "سجل وطني للمخاطر الرمزية" يراقب انطباعات المواطنين عبر الذكاء الاصطناعي، ويعالج الثغرات قبل تفاقمها. هذه الآلية لا تهدف إلى "الرد على الانتقادات" فحسب، بل إلى تحويل السمعة إلى أداة تمكين اقتصادي واجتماعي.
السمعة ليست واجهةً زائفة، بل رصيدٌ يُبنى بالاستمرارية والشفافية. كما قال وارن بافيت: "يستغرق بناء السمعة عشرين عامًا، وقد تُدمَّر في خمس دقائق". في السعودية، حيث تُعيد "رؤية 2030" تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن، تصبح السمعة جسرًا يربط بين الطموح والواقع. ففي عالم تتسارع فيه التحولات، لا تكفي المشاريع الضخمة دون ثقة تُترجم إلى استثمار عالمي، وتماسك مجتمعي، وريادة مستدامة. والسؤال الأهم اليوم: هل نستثمر في رصيد السمعة كما نستثمر في المليارات؟ الجواب سيحدد مسيرة العقود القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.