أتوقع أن الاستهلاك المحلي من التمور في تناقص، والسبب أن الأجيال الشابة والأطفال لا يتناولون التمور إلا نادراً، وبكميات قليلة.. والسبب وجود البدائل التي أكثرها مضر لما تحويه من أصباغ وسكريات ودهون مشبعة.. وهذا يتطلب التركيز على الأبحاث التي تستهدف تقديم التمور، وبخاصة للأطفال في المدارس والبيوت بأشكال ومذاقات مقبولة.. كسائح في بلاد الله الواسعة، يدخل المتاجر، ويفرح حين يرى منتجا من وطنه على الرفوف، وبخاصة التمور الفائقة الجودة من السعودية. أكتب وأنا أتألم من قلة استهلاك التمور وتوفرها على مستوى العالم، مقارنة بالفواكه الأخرى، مع أنها أكثر فائدة من أكثر الفواكه، ولأكون على بينة، كتبت هذا المقال بعد زيارتي لمركز النخيل والتمور واطلعت على ما يقومون به من جهود للرقي بالنخلة ومنتجاتها بشكل عام، والتمور بشكل خاص. الزراعة في المملكة غير مجدية للكثير من المزارعين، وبخاصة المزارع الصغيرة التي تفتقر للمكننة والإدارة الناجحة، وتعتمد كلياً على عمالة غير مدربة تنقصها الخبرة، للعناية بجودة المنتج. وضعف التسويق وما يتطلبه من وجود جمعيات زراعية تعاونية تسهم في نشر الوعي، وتساعد على التسويق. وعودة لرفوف المتاجر في أوروبا وأميركا وجنوب شرق آسيا، نجدها مليئة بكل أنواع الفواكه التي تستورد من دول تبعد آلاف الأميال عن تلك الأسواق، وتعرض باحتراف يجذب المتسوقين، أما التمور الجيدة كتمور السعودية فلا وجود لها في الغالب، وإن وجدت فهي تمور رديئة لا يمكن مقارنتها بما لدينا من أنواع ممتازة. اليوم تبذل جهود كثيرة في المملكة على المستوى الحكومي والأفراد لزيادة الصادرات، وقد نجحت بعض المزارع والشركات، والمركز الوطني للنخيل والتمور لزيادة الصادرات، حتى أصبحت المملكة ومنذ العام 2021 الأولى في تصدير التمور على مستوى العالم. وهذا بلا شك نجاح يبشر بالخير، لكن يمكن مضاعفة الإنتاج والاستهلاك والتصدير بالتركيز على الخطوات الآتية: أولاً: معظم مزارعي النخيل يجهلون الطرق الصحيحة للوصول بمنتجاتهم إلى الجودة الشاملة، والنوعيات المطلوبة للبيع بأسعار مجدية، أكثرهم يبيع محصول مزرعته للعمالة الوافدة التي تشتريه بأبخس الأثمان، وتتولى جنيه وجمعه وفرزه بطرق بدائية، ثم بيعه بالجملة لتجار آخرين. والخاسر هو الفلاح الذي لا يحصل إلا على نسبة بسيطة من تكاليف إنتاجه، هؤلاء الفلاحون بحاجة إلى جمعيات أهلية زراعية، بإدارة ناجحة تكون الوسيط بين المزارع ومركز النخيل من أجل التوعية والتثقيف لتعميم الممارسات الصحيحة للحصول على الجودة، كالعناية بالتربة، والتسميد، ومكافحة الآفات وغيرها، دون الإسراف باستخدام المياه، أو المبيدات المضرة للصحة والبيئة. كما يمكن أن تتولى الجمعيات التسويق، أو الحفظ في أماكن باردة لو تطلب الأمر ذلك. ثانياً: الكثير من الشعوب تجهل القيمة الغذائية العالية للتمور، كثيراً ما نتحدث عن قيمة بعض الفواكه كالأفوكادو على سبيل المثال، وهو ما يجعله مطلوباً، ويغري المستهلك لشرائه. بينما التمور بفوائدها الكثيرة لا تحظى بما تستحقه من إشادة وتوضيح. مع أنها منجم للفيتامينات والمعادن المهمة مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم والحديد، ما يدعم صحة الجسم بشكل عام. وتعد مصدرا سريعا للطاقة ما يجعلها غذاء مناسبا للصائمين والرياضيين. ومن أفضل الفواكه لتحسين الجهاز الهضمي، ومنع الإمساك وتعزيز صحة الأمعاء. والتمور مهمة لصحة القلب لاحتوائها على البوتاسيوم الذي يساعد على تنظيم ضغط الدم، ومضاد للأكسدة. هذه الفوائد وغيرها يجب إبرازها محلياً ودولياً كما هو لدى الفواكه الأخرى. ثالثاً: أتوقع أن الاستهلاك المحلي من التمور في تناقص، والسبب أن الأجيال الشابة والأطفال لا يتناولون التمور إلا نادراً، وبكميات قليلة. والسبب وجود البدائل التي أكثرها مضر لما تحويه من أصباغ وسكريات ودهون مشبعة. وهذا يتطلب التركيز على الأبحاث التي تستهدف تقديم التمور، وبخاصة للأطفال في المدارس والبيوت بأشكال ومذاقات مقبولة، وقد أشار المسؤولون في مركز النخيل والتمور أن لديهم تجربة ناجحة في إدخال التمور إلى المدارس، ويأملون أن يعمم قريباً على جميع مدارس المملكة. رابعاً: النخلة شجرة مباركة عاشت مع ساكن الصحراء منذ عرف الزراعة. ولا تقتصر فوائدها على التمور فقط، لكن كل ما تنتجه يمكن أن يتحول إلى قيمة غذائية، أو تصنيع بدءاً بالنوى الذي يعد من أفضل الأغذية للحيوان، ومن النوى والسعف يمكن أن تقوم صناعات حرفية كثيرة. إضافة إلى أن مخلفاتها من أفضل أنواع الأسمدة حين تعالج بطرق علمية، بدلاً من حرقها وتلويث البيئة. السعودية بلد الخير والعطاء على مستوى العالم، ولديها أفضل أنواع التمور، وتقدم الكثير منها كمساعدات عينية لتضمن وصولها إلى المحتاج، بدل تقديم المبالغ النقدية التي قلما تصل لمستحقيها.