في مسيرة الأدب السعودي، يظل الشعر الوطني هو الصوت الأكثر قربًا من الناس، والأصدق في التعبير عن مشاعرهم، لأنه يضع الوطن في قلب الكلمة، ويجعل العاطفة الصافية مرآةً للفخر والانتماء. ومن هذا المنطلق جاء ديوان الدكتور سالم بن محمد المالِك «تجليات في حب الوطن»، ليقدّم للقراء تجربة شعرية متدفقة، تنبض بحب المملكة وقيادتها، وتوثّق بلغة رصينة مرحلة من النهضة الوطنية التي يعيشها السعوديون اليوم. الديوان الذي جاء في أكثر من مئة وثلاثين صفحة، صدّره المالِك بإهداء وطني عميق، خاطب فيه الوطن بوصفه الصديق العزيز، مستعرضًا رحلة الأجداد وما تركوه من أمجاد، ومشيرًا إلى ما يشهده الحاضر من تحولات شاملة تضع المملكة في موقع الريادة. وقد وجّه الإهداء بخالص الولاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله– كما أهداها إلى أبناء الشعب السعودي كافة، ليؤكد أن الوطن ليس أرضًا فحسب، بل هو معادلة متكاملة بين القيادة والشعب، تتجلى فيها روح التلاحم والوحدة. وفي باقة من أكثر من ثلاثين قصيدة، تتنوع العنوانات وتلتقي كلها عند محور واحد هو الوطن؛ فنقرأ: أعلى وطن، شموع وطن، فداء وطن، فخر الرجال، نخلة العز، سيف العدل وحزم الملك، أسياد أمة وصدق ملك، إباء سعودي، هذا الوطن. كل عنوان هو عتبة تكشف ملامح النص ومقاصده، وكل قصيدة هي لوحة تحتفي بالانتماء والوفاء وتستحضر رموز الهوية السعودية، في هذه النصوص نجد الجبل رمزًا للشموخ، والنخلة علامة على العطاء، والصحراء اتساعًا وكرامة، والسيف دلالة على الحزم والقوة، فيما يتردد صوت الشاعر قائلاً: أنا السعودي والبيداء تعرفني / والجبل يعرفني حرًا سلطانًا، في تعبير صادق عن الذات الوطنية. هذا الديوان لا يقف عند حدود الاحتفاء العاطفي بالوطن، بل يتجاوزها ليعكس الواقع التنموي الذي تعيشه المملكة في ظل رؤية 2030، حيث تتسع اللغة لتستوعب الإنجاز والطموح، ويصبح الشعر هنا وسيلة للتعبير عن الوعي بالمرحلة، وشريكًا في صياغة صورتها. في قصائده يتجاور الماضي بالحاضر، فيستحضر المالِك أمجاد المؤسسين ليضيء من خلالها حاضر النهضة، ويضعها في إطار رؤيوي يتجه نحو المستقبل. أما من الناحية الفنية، فقد جاءت لغة الديوان جزلة وقوية، لكنها في الوقت نفسه صافية وقريبة من القلب، اعتمد المالِك الأوزان الشعرية التي تمنح النصوص إيقاعًا إنشاديًا يليق بالشعر الوطني، فكان الديوان قابلاً للإنشاد في المحافل كما هو صالح للقراءة في الصفحات، الصور الشعرية تتدفق برموز مألوفة في وجدان السعوديين، لكنها تكتسب طابعًا جديدًا من خلال صدق العاطفة وحماسة التعبير، وزاد العمل جمالًا تضمينه صورًا لخادم الحرمين الشريفين وولي العهد، ليغدو النص الشعري مؤطرًا بصورة رمزية تُعزز مضمونه، وتجعل الولاء للقيادة جزءًا لا ينفصل عن حب الوطن. إن «تجليات في حب الوطن» ليس مجرد ديوان يُضاف إلى رصيد المكتبة السعودية، بل هو شهادة شعرية على لحظة وطنية استثنائية يعيشها السعوديون في ظل قيادة حكيمة، ونهضة شاملة، وتطلعات واسعة نحو المستقبل، هو صوت أدبي صادق يعكس وحدة الصف ويجسد حقيقة العلاقة بين المواطن وقيادته، علاقة تقوم على الثقة والولاء والانتماء. إنه عمل يُعلي من قيمة الوطن في الوجدان، ويبرهن أن الشعر سيظل أداة أصيلة في التعبير عن حب هذه الأرض الطيبة، وعن الفخر بقيادتها ورجالها، وعن الاعتزاز بما تحقق وما سيأتي من إنجازات على هذه الأرض المباركة. بهذا الديوان، يضع الدكتور سالم المالِك لبنة جديدة في صرح الشعر الوطني، مؤكداً أن الكلمة المخلصة قادرة على أن تكون جزءًا من مسيرة الوطن، وأن الأدب حين يتصل بالقيادة والوطنية الصادقة يتحول إلى وثيقة باقية تروي للأجيال كيف كان الحب صادقًا، والانتماء راسخًا، والولاء ممتدًا ما امتد تاريخ هذه البلاد العزيزة.