تعددت تعريفات علم العقائد انطلاقاً من الموضوعات والمنهجيّات التي يهتم بها كلّ معرِّفٍ أو كلّ مدرسة، وبها ظهرت نظرتهم؛ إن بالاقتران بين النظر والعلم، أو بالتعريف بحسب الغرض من دفاع أو دعوة أو وصل بالله، أو تقرير الموضوعات الأشهر: الإلهيّات، النبوّات، السمعيات. وربما رادف بعضهم بينها وبين علم الكلام، وقد خلص حسن الشافعي إلى تعريف علم الكلام ب «إنّه العلم الذي يبحث فيه عن الأحكام الشرعية الاعتقاديّة التي تتعلق بالإلهيّات أو النبوّات أو السمعيّات؛ من أجل البرهنة عليها ودفع الشبه عنها. ومن المعلوم أنَّ مرتبة كل من «الإلهيات»، و»النبوّات»، و»السمعيات» هي: مرتبة الغيب، والعلم به من «الوحي»، فهي من جهة التقرير عقائد، لكن من جهة التصنيف انبثقت عن خبرات متراكبة في مجال الجدل والتفنيد، ومنهجيّة علم الكلام تعقّليّة إنسانيّة، ظهرت فيها تأثيرات منطق اليونان، وغرضها الأوّل منهجي دفاعي تفنيدي لا تقريري. والتصنيف الثلاثي الجديد عند الفحص هو إعادة تصنيف للقديم؛ إذ المسائل المتعلّقة بالله أو بالعالم أو بالإنسان، هي مسائل تتعلق بالموجود، في حين التصنيف المرتبط بالنقل يتعلّق بموضوعات الوحي التي لا يتوصّل إليها وافية بغيره. وعند من قرن بين «علم الكلام» و»علم الاعتقاد»، إن ترادفاً تاماً أو اختلافاً من وجه؛ فساعده الاقتران على إدخال «علم الاعتقاد» تحت «علم الكلام» حيناً، بوصفه مقدّمات بالنسبة ل»علم الكلام»؛ في حال التفنيد تحديداً، عند غلبة الصنعة المنهجيّة المذهبيّة. بالإضافة إلى أنَّ غرض علم الكلام ليس مجرد الدفاع، بل الغرض الأساسي هو «الدعوة»، ومستندهم الأشهر مراتب الدعوة إلى الله، وثالثها «وجادلهم بالتي هي أحسن»، فبعض مباحث علم الكلام شرط للدعوة بحسب المتاح في كل زمان، فتصير بعض مباحثه من جهة علاقته بالدعوة علاقة شرط بمشروط بكيفية علاجيّة إصلاحيّة؛ ليفتق غرض آخر من أغراض علم الكلام قد غمرته التعريفات التي أظهرت غرضه الدفاعي، وهذا الغرض هو الغرض الدعوي؛ فليس غرضاً منبت الصلة بالواقع، بل يسبقه تشخيص لواقع المدعوّين؛ مما يتطلّب عدّة علميّة لدراسة الملل والنحل. وعلم الملل والنحل اشتهر به أهل الإسلام، بوصفه ضرورة تسبق الدعوة إلى الإسلام، وتسبق فهم واقع التشويش الداخل على العقائد الإسلاميّة. وبالجمع بين الغرض التبييني «علم العقائد»، والغرض الدفاعي «علم الكلام»، والغرض الدعوي «الملل والنحل»؛ فسيشمل علم أصول عقائد الدين مباحث عدّة تجمع أغراضه، منها: المضمونيّة والمنهجيّة والشرطيّة، أمّا المضمونيّة فهي «التقريرات العقديّة»، والتي يجب أن تنطلق أصالة من الوحي بلسانه العربيّ؛ وأما المنهجيّة فهي «المسالك الحواريّة أو الجدليّة» والتي تسمح بإدخال مناهج أخرى للجدل لا التقرير، ومنها «المناظرة»، أو ما قد يتجاوز الصبغة المنهجية إلى مسالك دعويّة بطرق غائيّة لا توجب الالتزام بمنهج المناظرة المعروف والمعتبر؛ وأما الشرطيّة فهي العلوم التي لا بدّ من تحصيلها للدعوة ك»الملل والنحل»، وما يرتبط بها من علوم كل قومٍ ولغاتهم، مما يؤثّر في فهم واقعهم، وغيرها. والتمييز بين مستويات أصول العقائد من تقرير أو تفنيد أو دعوة كله من تبيين المدعوّ إليه، فيعيدنا لاستثمار تراتبية الآية من جديد «ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»؛ فالحكمة وضع الشيء في موضعه، وهي التقريرات العقدية وفق منهج القرون الأولى، والموعظة هي غلبة الجانب الوعظيّ (الموعظة الحسنة)، وثالثها التفنيد بالجدل الذي يتطلّب الأحسن، لأن ميدانه ميدان غلبة وخصومة.