وزارة التعليم تسير بخطوات جريئة ومدروسة لإصلاح التعليم، ومنها تخفيف المركزية، وحسن اختيار المعلم، وتدريبه بصفة مستمرة.. مع أهمية تعزيز القيم الأخلاقية النبيلة في كل مناهج التعليم، كالعدالة والتسامح والصدق والتعاون وروح الفريق، وتأصيل العادات الحضارية كالنظافة والاستدامة والمحافظة على البيئة واحترام النظام والممتلكات العامة.. حين نستعرض مسيرة الأمم التي أصبحت متقدمة وقوية، وامتلكت أهم عناصر القوة الشاملة نجد أنها جميعاً انطلقت من بوابة التعليم، ومراجعته بصفة مستمرة وإصلاحه، وعادة يكون الدافع للإصلاح هو رغبة القيادة العليا للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، أو وجود منافس خارجي يشكل تهديداً للدولة ومكانتها بين الدول. أميركا على سبيل المثال جنّ جنونها حين أطلق الاتحاد السوفييتي مركبته الفضائية "سبوتنيك" في عام 1957، وأحالوا السبب في تخلفهم إلى تدني مستوى التعليم، فكان أول شيء قاموا به هو وضع برامج لرفع مستوى المعلمين وأساتذة الجامعات، أساس كل تطوير وإصلاح، ثم راجعوا المقررات وركزوا على العلوم والرياضيات، أما الإصلاح الثاني في أميركا فكان في عام 1983 حين غزتهم اليابان بصناعاتها فائقة الجودة، وكان العنوان اللافت هو: "أمة في خطر"، وقد أرجعوا السبب إلى تدني مستوى التعليم، وتخليه عن الجودة التي تمسكت بها اليابان في تعليمها وفي صناعاتها. وأضاف التقرير: "لو أن قوة معادية لنا حاولت أن تفرض علينا أن يصبح تعليمنا عادياً، كما هو الحال في تعليمنا اليوم، لاعتبرنا ذلك عملاً حربياً، ومع هذا قبلنا بهذا لأنفسنا، لقد تخلينا عن أهم أسلحتنا وهو التعليم"، وحينها انطلق إصلاح التعليم على المستوى الفيدرالي والولايات، مع عقد مقارنات مع الدول المتقدمة كاليابان وفنلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية. أما بريطانيا فقد كان لها مشروع إصلاح في عام 1997 أهم ما فيه إعطاء التعليم أولوية في سياسة الحكومة ورفع مستوى المعلمين، وتوعية الأهالي بأهمية التعليم وضرورة المشاركة في تطويره من خلال التواصل المستمر مع المدارس ومساندتها، وأن تكون جودة التعليم لغالبية المواطنين وليس للقلة فقط، مع التركيز على المعايير والمستويات، وليس على الهياكل الإدارية، وأن يقلّ تدخل الدولة كلما زاد النجاح، وعدم التسامح مع سوء الأداء، أما الحكومة اليابانية فقد رأت أنها كانت تركز على تفوق الطلبة علميا في الرياضيات والعلوم وأهملت الجوانب المهمة من التميز الفردي، وتشجيع الملكات الفردية، ومنح الطالب فرص التنوع والاختيار، لتعزيز جوانب الإبداع والتميز الذاتي، وكانت البداية بالمعلمين لتأهيلهم أولاً، ومنح المدارس مزيداً من الاستقلالية الإدارية، كما مرت كل من ماليزيا وكوريا الجنوبية بإصلاحات مماثلة، أما سنغافورة فقد صنعت منها القيادة المخلصة والحازمة، والتعليم المتميز أهم قصة نجاح في القرن العشرين، فبعد استقلالها عن بريطانيا، تلفت قائدها "لي كوان يو" فلم يجد لديه سوى مساحة صغيرة بحجم مزرعة، وشعب بائس يعيش بين مستنقعات آسنة، وفي أحياء سكنية فقيرة، فلم يجد أمامه إلا التعليم، فاتخذه سلاحاً للتغلب على كل الصعاب التي واجهته. لتصبح سنغافورة مثالاً يحتذى على مستوى دخل الفرد، والقوة الاقتصادية والتقدم العلمي، ونظافة البيئة والاستدامة. ويمكن إيجاز أهم ما ركزت عليه خطوات إصلاح التعليم في تلك الدول بما يلي: أولاً: المعلمون والمعلمات هم أداة التطوير وتنفيذ الخطوات المطلوبة للتغيير والإصلاح، ولذا كانت كل برامج الإصلاح الناجحة على مستوى العالم تبدأ بالمعلم، والإدارة العليا، وإدارة المدارس. ليركز المعلمون على توجيه أساليب التدريس نحو التعلم ذي المغزى، وذلك بتعزيز طرق الإقناع والمشاركة. وقد أحسنت وزارة التعليم بوضع عام كامل للتدريب وتوظيف المعلمين واختيار أفضلهم، فليس كل متفوق في درجاته يصلح للتعليم، فالتعليم رسالة يجب أن يؤمن بها المعلم، وهي شغف وحب للمادة والطالب، وسعة أفق، وبعد عن الغلو والتعصب، وهذا هو الضامن للتخلص من المنهج الخفي الذي قد ينقله المعلم لطلبته، وهذا يتطلب تطوير المعهد المهني لتطوير المعلمين، وجلب الخبرات الأجنبية من الدول المتميزة في تعليمها لوضع الأسس والمعايير التي على ضوئها يتم تدريب المعلمين، واختيار أفضلهم للتعليم والإدارة، وتوجيه من لا يصلح للتعليم لما يناسبه. ثانياً: أهمية تعزيز القيم الأخلاقية النبيلة في كل مناهج التعليم، كالعدالة والتسامح والصدق والتعاون وروح الفريق، وتأصيل العادات الحضارية كالنظافة والاستدامة والمحافظة على البيئة واحترام النظام والممتلكات العامة، التربية جزء لا يتجزأ من مهمة المدارس بدءاً برياض الأطفال، حينها سنبهر العالم بطيبة هذا الشعب وحسن تعامله ورقي أخلاقه، وقدرته على الإنجاز، وتطبيق الجودة في عمله وفي حياته الخاصة. ثالثاً: التركيز على مهارات التفكير الإبداعي، والتحليل والنقد في المناهج التعليمية، وتغيير أساليب الحفظ والتلقين، وتعزيز مهارات حل المشكلات من خلال دعم تعليم الرياضيات والعلوم التطبيقية. رابعاً: أولياء الأمور ركن أساس لنجاح تطوير التعليم واستمراره، فبقاء الطالب في المدرسة لا يتعدى ست ساعات، أما البقية ففي البيت، على المدارس أن تعزز التواصل مع أولياء الأمور ليكونوا خير عون للمدرسة على أداء دورها، المدارس ليست قلاعاً مغلقة، بل مؤسسات تتفاعل مع كل من يعينها على أداء واجبها، كوزارة الصحة. وزارة التعليم تسير بخطوات جريئة ومدروسة، مستمدة الدعم من القيادة العليا لتحقيق رؤية المملكة 2030 لإصلاح التعليم، ومنها تخفيف المركزية، وحسن اختيار المعلم، وتدريبه بصفة مستمرة.