دخلتُ أحد الأيامِ إلى مكتبة أرتادها خلال أوقات فراغي، تنقلتُ بين رفوف الكتب باحثةً عن عنوان يجذبني؛ لأندفع إلى قراءة الكتاب بشغف، مضت ساعتان كاملتان، اخترتُ ما يُقارب ثمانية كتب، قرأتُ من كلٍّ منها صفحة أو صفحتين، وتصفحتها بشكلٍ سريع ثمّ أعدتها إلى مكانها! ساعتان ما استطعتُ بها انتقاء كتاب واحد أرغب بقراءته كاملًا والاستفادة منه! فجأة التفتُّ إلى الوقت وشعرت بأنّي تعثّرت باتخاذ قراري. تساءلت: لماذا تأخرت في اختيار الكتاب المُناسب؟ وبشكلٍ عام، لماذا نتأخر في الوصول؟ ببساطة نتأخر لأنّنا لمْ نختر شيئًا واضحًا في أذهاننا، ولأنّ العشوائية تقودنا معها بخفة حتى يبدو لنا الدرب ضبابيًا، بالكادِ نسيرُ به دون أن نرتطم بعارضٍ يوقّفنا! نتأخر لأنّنا أضعنا البوصلة حتى صار الشمالُ جنوبًا، والشرقُ غربًا! ولأنّنا لمْ نفهم بعد، ولا ندرك أنّنا لمْ نفهم! ولأنّنا نعتقد أنّ ما نريده سيعرف طريقه إلينا، دون أن نحرّك لنا طرفًا! وسنبقى تائهين حتى نُقرّر ونختار ونحدّد ما الذي نريده فعلًا! راقب هذه اللحظة معظم الأمور المُتأخرة بحياتك، واسأل نفسك: هل حددت شروطها ومواصفاتها؟ هل سعيتَ إليها بوضوح؟ أم أنّك تسعى نحو المجهول؟ وبمثالٍ آخر قارن بين شخصين كلاهما يبحثان عن عمل، الأول: يمتلك وعيًا واضحًا بإمكاناته، ويدرك نقاط قوته وخبراته المهنية. وبالمقابل يرسل طلبات توظيف للجهات التي تعرض فرصًا متوافقة مع مقوّماته. والثاني: يفتقر إلى وضوح الرؤية حول مهاراته، فيقوم بإرسال طلبات توظيف للجهات بشكل عشوائي دون أن يتمكن من تحديد الفرصة الوظيفية التي يريدها أو الشروط المناسبة له، أيهما سيصل أسرع؟ من هنا نفهم: أنّنا لا نتأخر في الوصول لأن الطريق طويلة وصعبة فحسب، بل لأنّنا لمْ نحدّد الوجهة.