تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا تاريخيًا تقوده طاقة شبابية هائلة؛ إذ تشكّل الفئة العمرية دون 35 عامًا نحو 70% من المجتمع، فيما تبلغ نسبة الفئة (15–34 عامًا) 35.9% من إجمالي السكان، بحسب أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء. هذه التركيبة تمنح الاقتصاد السعودي نافذة قوةٍ دائمة التجدد إذا ما استُثمرت بذكاء عبر التعليم والتأهيل وريادة الأعمال والعمل التطوعي والابتكار. إن تراجع معدل بطالة الشباب (15–24) في المملكة إلى نحو 13.8% في 2024 بحسب تقديرات ILO/البنك الدولي، بعد مستوياتٍ أعلى خلال سنوات الجائحة، يعكس أثر الإصلاحات في سوق العمل وتوسّع الفرص في القطاعات الجديدة. كما قفزت مشاركة المرأة في العمل إلى نحو 36% متجاوزةً مستهدفات «رؤية 2030»، وهو مكسبٌ مضاعف لاقتصاد يقوده جيلٌ شاب. كما نجد أن تواصل منظومة ريادة الأعمال والنشاط الصناعي خلق فرصٍ نوعية للشباب، فعدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة ينمو دوريًا، مع مؤشرات رسمية عن زيادةٍ فصلية بنحو 3.1% وعدد سجلاتٍ تجارية يتجاوز 1.5 مليون، إضافةً إلى تسارع منح التراخيص الصناعية وافتتاح المصانع الجديدة. وبالتوازي، تُظهر تقارير «غلوبال إنتربرنورشيب مونيتور (GEM)» ارتفاع مستويات الريادة المبكرة في المملكة إلى مراتب عالمية متقدمة، مع إدراكٍ واسع للفرص والمهارات الريادية بين الشباب. لماذا الآن؟ إننا في منتصف الطريق إلى 2030 وقد أُنجز أو يسير على المسار الصحيح نحو 85% من مبادرات الرؤية (أكثر من 1,500 مبادرة)، وتركّز برامجها—وفي مقدّمتها برنامج «التحوّل الوطني» على تمكين الإنسان وتنويع الاقتصاد ورفع كفاءة الخدمات؛ وكلها مساحاتٌ يتقدّم فيها الشباب بطاقاتهم ومهاراتهم الرقمية وريادتهم. ما الذي يلزم لتعظيم أثر الشباب؟ 1. تعليمٌ ومهارات مدى الحياة: تبنّي نموذج «التعلّم المستمر» وربط التدريب باحتياجات القطاعات سريعة النمو (التقنية، الصناعات المتقدمة، الثقافة والسياحة، الاقتصاد الأخضر)، هنا تبرز تجربة سنغافورة ضمن برنامج Skills Future الذي سجّل 555 ألف متعلم في 2024، وأفاد 98% من المتدرّبين بتحسن الأداء الوظيفي بعد التدريب، مع أثرٍ إيجابي على الأجور في المسارات «الدراسة والعمل». هذه نمذجة عملية لتصميم حوافز تدريب موجّهة وظيفيًا. 1. جسورٌ مبكرة بين التعليم والعمل: ربط المدارس والجامعات بسوق العمل عبر التدريب التعاوني والاعتمادات المهنية وحاضنات الأعمال. تمتلك ألمانيا واحدًا من أدنى معدلات بطالة الشباب في أوروبا بفضل منظومة التعليم المهني المزدوج، مع انخفاض مستمر في بطالة الشباب على مستوى الاتحاد الأوروبي في 2025، حيث أثبت ذلك بأن البدء المبكر في «التعلّم في بيئة العمل» يقلّص فجوة المهارات ويُسرّع التوظيف. 1. رقمنة الخدمات لتمكين الجيل الرقمي: حين تُبنى المنصّات الحكومية على نحوٍ صديق للمستخدم وتُعمَّم المهارات الرقمية، يتسارع دمج الشباب في الاقتصاد الرسمي. رواندا رفعت الكفايات الرقمية عبر «سفراء الرقمنة» ومنصّة Irembo لتطوير النفاذ للخدمات، مع أدلةٍ بحثية على أثر سياسات العلوم والتقنية في توظيف الشباب. لبيئةٍ سعودية شابة ومرتبطة رقميًا، هذا المسار يضاعف الكفاءة ويقلّص الكلفة الزمنية على روّاد الأعمال الشباب. وهنا يمكننا سرد عدد من التوصيات العملية الداعمة لبرامج التحوّل الوطني من أهمها: ربط الدعم الحكومي للشركات بمؤشرات تشغيل وتدريب الشباب، ونشر لوحات مؤشرات ربع سنوية على مستوى المناطق. (يستند إلى نجاح ربط التدريب بمخرجات التوظيف في تجارب سنغافورة). توسيع اتفاقيات التعليم المهني المزدوج بين الكليات التقنية والقطاع الخاص في سلاسل القيمة الصناعية الجديدة (المعادن الخضراء، التقنية الطبية، اللوجستيات الذكية). تصميم خدمات حكومية وريادية «Mobile-first» مع حزم محتوى تثقيفي وتراخيص سريعة، على غرار Irembo، مع توسيع مبادرات محو الأمية الرقمية في المحافظات والمراكز. تركيز برامج التمويل والإرشاد على القطاعات القابلة للتصدير والتقنية العميقة، وتوسيع برامج مسابقات الريادة وحاضناتها، مستفيدين من زخم نموّ الشركات الناشئة والSMEs في المملكة وتقارير GEM. تمكين المرأة الشابة كرافعة مضاعِفة، مع الاستمرار في إزالة العوائق وتحسين خدمات رعاية الأطفال والعمل المرن، بما يضاعف مكاسب مشاركة المرأة ويفتح مجالاتٍ جديدة تقودها رائدات أعمال. إن الرهان على الشباب السعودي ليس خيارًا بل هو مفتاح نجاح التنمية الشاملة، ويتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي لتوفير بيئة داعمة للإبداع، وضمان أن تتحول هذه الميزة السكانية إلى قوة إنتاجية مستدامة تعزز مكانة المملكة عالميًا. * مستشار الاتصال المؤسسي خبير الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. X: @Ayedhaa