يبدو أن هناك اتجاهاً عالمياً يتشكل لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التسعير الشخصي، حيث يبرز كساحرٍ يحيك خيوطاً غير مرئية لتحديد سعر كل شيء تشتريه، من تذكرة الطائرة إلى سيارة أحلامك، بل وحتى بيضة إفطارك، تخيل أنك تدخل مطعماً بسيطاً، تطلب طبقاً عادياً، ثم تصدمك الفاتورة بسعر وجبة سياحية، لماذا؟ لأنك، ببساطة، تبدو مستعداً لدفع المزيد.. هذه ليست قصة خيالية، بل اتجاه يتشكل يقوده الذكاء الاصطناعي تحت شعار ثورة التسعير الجديدة، وأحدث مثال على ذلك، إعلان شركة دلتا للطيران الأميركية، هذا الأسبوع، عن تخصيص أسعار تذاكرها بناءً على هوية كل مسافر. في الماضي، كان التسعير الشخصي فناً يتقنه التجار في الأسواق.. ينظر البائع إلى زبونه، يقرأ لغة جسده، يزن قدرته المالية، ثم يبدأ مساومة قد تنتهي بسعر يرضي الطرفين، أو يُغضب أحدهما، وهناك نكتة قديمة توضح هذه الفكرة.. رجل ثري يطلب بيضة في مطعم متواضع، وعندما يرى الفاتورة يسأل مذهولاً: هل البيض نادر هنا؟ فيرد صاحب المطعم بمكر: لا، لكن الأثرياء هم النادرون.. اليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي هو ذلك التاجر الماكر، لكنه لا يحتاج إلى نظرة عين أو حدس بشري، يكفيه أن يغوص في بحر بياناتك الرقمية ليحدد السعر الذي ستدفعه. من القطاع المالي إلى الألعاب الإلكترونية، ومن وكالات السيارات إلى متاجر التجزئة، ينتشر التسعير الشخصي كالنار في الهشيم، وهو يعتمد على فكرة بسيطة: لماذا نبيع للجميع بالسعر نفسه إذا كان المشتري مستعداً للدفع أكثر؟ ببساطة يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل عاداتك الشرائية، مواقعك الجغرافية، وحتى دخلك المحتمل، ليصيغ سعراً يبدو عادلاً.. للبائع بالطبع.. وقبل عصر الذكاء الاصطناعي، كانت الشركات تعتمد على قاعدة التكلفة بالإضافة، حيث تضيف هامش ربح ثابت على تكلفة المنتج، لكن هذا النموذج كان كمن يوزع الحلوى بالتساوي على أطفال حفلة، بغض النظر عن شهيتهم، والآن بفضل منجم الذهب الذي وفرته المدفوعات الإلكترونية، يعرف الذكاء الاصطناعي شهية كل زبون.. كل نقرة، كل عملية شراء، كل بحث على الإنترنت، يُخزّن ويُحلل ليصبح سلاحاً يُستخدم لتحديد السعر الأمثل أو بالأحرى، السعر الأعلى لكل فرد. في عام 2024، أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية أوامر استدعاء لشركات مثل «ماستركارد» و»جي بي مورغان»، للتحقيق في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتغيير الأسعار بناءً على بيانات المستهلكين.. الأخطر من ذلك، أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تتواطأ فيما بينها لرفع الأسعار دون تدخل بشري، مما يضع المستهلك في مواجهة شبكة ذكية لا ترحم، والآن في ظل هذا العالم الذي يراقب كل خطواتك الرقمية، يصبح السؤال: كيف تحمي جيبك من عيون الذكاء الاصطناعي؟ هل هناك مفر؟ الإجابة نعم، ولكنه حل يتطلب بعض الدهاء.. أولاً، عُد إلى النقود الورقية عند التسوق في المتاجر التقليدية؛ فهي لا تترك أثراً يمكن تتبعه، وثانياً، نظّف ذاكرة متصفحك بانتظام، فملفات تعريف الارتباط وسجل البحث هما عينا الذكاء الاصطناعي التي تراقبك، وثالثاً، استخدم شبكات افتراضية خاصة (VPN) لإخفاء موقعك الجغرافي، فالموقع مؤشر قوي يستخدمه التجار لتقدير قدرتك الشرائية، والخلاصة أن التسعير الشخصي بات أقوى من أي وقت مضى بفضل الذكاء الاصطناعي.. إنه يعد بأرباح طائلة للشركات، ويضع المستهلك في تحدٍ جديد: كيف تحافظ على خصوصيتك في عالم يعرف عنك أكثر مما تود؟ في هذه اللعبة، يصبح الذكاء الاصطناعي هو القط، وأنت الفأر، فهل ستتمكن من الإفلات من مخالب الأسعار المصممة خصيصاً لك؟