تُعد رؤية المملكة العربية السعودية 2030 خارطة طريق طموحة تهدف إلى تحويل المملكة إلى نموذج رائد على الأصعدة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية كافة، ومن أبرز أهدافها في مجال الحوكمة وتعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية، السعي للوصول إلى المركز (20) عالميًا في مؤشر فاعلية الحكومة، بعد أن كانت المملكة في المركز (80)، هذا الهدف يعكس إيمان القيادة السعودية بأهمية بناء جهاز حكومي فعال يتميز بالكفاءة، والشفافية، والاستجابة السريعة لاحتياجات المواطنين، بما يعزز من ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة ويدعم التنمية الشاملة. يتطلب تحقيق هذا الهدف مسارًا طويلًا من الإصلاحات الإدارية والهيكلية داخل مؤسسات الدولة، ويتطلب أيضًا تمكين الكفاءات الوطنية، وتعزيز منظومة اتخاذ القرار، وتقليص البيروقراطية، وتوسيع رقعة التحول الرقمي. ومن هذا المنطلق، بادرت العديد من الوزارات السعودية إلى تنفيذ برامج إصلاحية تتماشى مع هذا التوجه، فعلى سبيل المثال، قامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بإطلاق استراتيجيات متقدمة لإدارة رأس المال البشري الحكومي، وتحسين بيئة العمل، ورفع جودة الخدمات، كما عززت وزارة المالية آليات التخطيط المالي وكفاءة الإنفاق، وسعت وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى تطوير أدوات قياس الأداء الحكومي لضمان التقدم الفعلي نحو الأهداف المحددة. وبرأيي، فإن هذا الهدف يُعد من أكثر الأهداف طموحًا وضرورة في آنٍ معًا، فالحكومة الفاعلة لا تُقاس فقط بقدرتها على سنّ السياسات، بل بقدرتها على تنفيذها بفعالية، وكفاءة، وعدالة. كما أن تقدم المملكة في هذا المؤشر سينعكس إيجابًا على ثقة المستثمرين، وسيسهم في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ويزيد من تنافسية الاقتصاد الوطني عالميًا، إن بناء جهاز حكومي يتمتع بالمهنية والكفاءة والشفافية هو حجر الأساس لأي تنمية مستدامة، ولذلك فإن التركيز على هذا الهدف ينبغي أن يظل في صلب عملية الإصلاح الإداري والسياسي. وقد لمستُ شخصيًا تطورًا ملحوظًا في جودة الخدمات الحكومية خلال السنوات الماضية، لا سيما من خلال بوابات الخدمات الإلكترونية مثل «أبشر» و»توكلنا»، التي وفّرت الوقت والجهد ورفعت من رضا المواطنين والمقيمين، كما أن تحول العديد من الإجراءات إلى خدمات رقمية فورية أظهر تحسنًا في سرعة الأداء وشفافيته، وهو ما يعكس جزءًا من التقدم نحو الهدف المنشود، ومع ذلك، فإن الوصول إلى المركز العشرين عالميًا يتطلب الاستمرار في تعزيز الثقافة المؤسسية القائمة على الإنجاز وتحقيق النتائج، وتكثيف الرقابة والتقييم المستمر. من وجهة نظري، فإن التعاون الفعّال بين الوزارات يُعد عنصرًا حاسمًا لتحقيق هذا الهدف، ولا يمكن أن يتحقق التقدم في مؤشر فاعلية الحكومة بجهد وزارة واحدة، بل يتطلب شراكة مؤسسية متكاملة تشمل جميع القطاعات الحكومية، مع دور محوري لمركز تحقيق كفاءة الإنفاق، وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وديوان المراقبة العامة، فالتكامل بين هذه الجهات يضمن توجيه الجهود نحو تحقيق نتائج ملموسة وقياس التقدم بدقة. أخيرًا، تشير تقارير الأداء الأخيرة إلى تحسن ترتيب المملكة تدريجيًا في المؤشرات الدولية ذات الصلة، مما يعكس جدية الجهود المبذولة وفعالية البرامج المنفذة، ومع استمرار المبادرات، والاستفادة من الكفاءات الوطنية، والتوسع في التحول الرقمي، فإن تحقيق هدف الوصول إلى المركز (20) في مؤشر فاعلية الحكومة ليس مستحيلاً، بل هو هدف واقعي إذا ما تواصل الالتزام به بنفس الوتيرة والطموح.