أرجو ألا يزعجنا هذا الانتشار المكتسح للغة الإنجليزية، فهي كما أراها وأتصورها منحة ربانية مدت جسور التواصل بين المشارق والمغارب، وأذابت كثيراً من حاجز اللغة في التواصل بين مختلف الألسن والثقافات، واللغة بكل ألسنيتها ومعجميتها آية من آيات الله سبحانه وتعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ). وصول اللغة الإنجليزية إلى هذه الدرجة من التداول حديثاً أو كتابة له أسبابه وعوامله بالتأكيد، وهي أسباب لا تخفى على الكثير منا، ولكن ما يهمنا هو وظيفة هذه اللغة ودورها وأهميتها، وهل حققت التواصل الأسهل بين الناس؟ وبالتأكيد أن الجواب نعم، وهو أمر لا يحتاج إلى تحليلات أو دراسة من أي نوع، ومنصات التواصل والمواقع على الشبكة ومطارات العالم والكتب المؤلفة بالإنجليزية أو المترجمة منها أو إليها شواهد ناصعة على حضور هذه اللغة العالمية وتقبل الناس لها وإقبالهم على تعلمها، وهذا لا يتعارض بأي حال أو شكل مع اعتداد المجتمعات بلغتهم الأم، وحرصهم على أن تكون هي لغتهم الأولى والأساسية، فاللغة تشكل جذور الفكر وقواعد التفكير. ولكن لا بد أن تكون الصورة أكثر تحديداً ووضوحاً، فلا يعني الإقبال على تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها قدر الإمكان أن نقحمها في أحاديثنا بلغتنا العربية في ندوة أو حديث أو لقاء، فالعربية قائمة بذاتها غنية بمفرداتها وأساليبها وطرق الإبانة بها، وإذا لم يكن هناك من مسوغ لإيراد مفردة من لغة أخرى فلماذا نقحمها بين سياقات حديثنا؟! هذا الحشو اللغوي لا يدل على ثقافة ولا على إتقان لغة أخرى، والملاحظ أن المتمكنين في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرهما عند حديثهم باللغة العربية يكونون أكثر حرصًا من غيرهم على عدم إيراد أي مفردة خارج العربية. إنه احترام اللغة؛ احترام المستمع والمقام والمقال، والثقة المطلقة بلغة القرآن الكريم العظيم، ورحم الله شاعر العربية حافظ إبراهيم الذي قال: وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي وما يمنع من أن أتقن الإنجليزية؟!، بل وما المانع أن أتقن أكثر من لغة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وفي الوقت نفسه أن أعتدّ بلغتي، وأن أجعل لكل مقام لغته الأنسب، وأن أسمي الأشياء بمسمياتها العربية في مكانها العربي.