يظل الأدب بين شغف الروح وفرص الاقتصاد، ولطالما تردّد المثل الشعبي القائل: "الكتابة لا تؤكل عيش". وقد حمل هذا المثل مرارة الواقع الذي عاشه الأدباء والكتّاب لسنوات طويلة، حيث ظلّت الكتابة، في أعين كثيرين هواية نبيلة لكنها لا تُدرُّ دخلًا ثابتًا ولا تضمن للكاتب حياة كريمة. فهل يبقى هذا المثل صالحًا في زمن تتغير فيه المعادلات؟ وهل يمكن أن نصل إلى مرحلة تؤكل فيها الكتابة "عيشًا"، لا من باب التمني بل من باب الواقع والاستثمار الواعي؟ في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية عبر رؤية 2030، لم يعد الحديث عن الثقافة والأدب مقتصرًا على الندوات والصالونات الأدبية، بل أصبح جزءًا من مشروع وطني يسعى إلى تحويل الإبداع إلى صناعة، والموهبة إلى منتج قابل للتداول، والكتاب إلى قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني. حيث وضعت رؤية المملكة 2030 القطاع الثقافي ضمن أولوياتها، وعملت على تأسيس هيئة الأدب والنشر والترجمة، التي جاءت لتمنح الأدب السعودي مظلة رسمية حاضنة، ودعمًا مؤسساتيًا غير مسبوق. لم تعد الكتابة مجرّد هواية معزولة، بل أصبحت اليوم مسارًا مهنيًا يمكن دعمه، تدريبه، تمويله، وتسويقه محليًا وعالميًا. في الماضي، كانت حياة الأديب مرتبطة بالوظيفة الحكومية أو التدريس أو الصحافة، لكن اليوم بات من الممكن أن يعيش الكاتب من دخله، والتقرير المنشور الذي قمنا بعمله في توضيح تفصيلي لما تقوم به هذه الهيئات في ظل وزارة الثقافة، ولكننا هنا وددنا أن نشير إلى بعض الإضافات البسيطة. حيث هو تساؤل يطرحه كثير من المهتمين: هل يمكن للكتاب والأدباء أن يعيشوا ويسترزقوا من خلال كتاباتهم؟ من الإنصاف القول إن الطريق لم يكتمل بعد، والتحديات لا تزال موجودة، لكن هناك إشارات واقعية على أن المملكة تسير باتجاه صناعة أدبية مستدامة. المبادرات الثقافية المتعددة، وجوائز الأدب الوطنية والدولية، ودعم الترجمة والنشر، وحتى تحفيز دور النشر والمؤلفين، كل ذلك يساهم تدريجيًا في كسر الصورة النمطية التي تحصر الكاتب في دائرة الفقر والتهميش. إذًا، نعيد السؤال بصيغته التقليدية: هل تؤكل الكتابة عيشًا؟ الإجابة لم تعد كما في الماضي. نعم، الكتابة يمكن أن تؤكل عيشًا، إذا أحسنّا إدارتها وتطويرها وربطها بسوق الإبداع. ومع تحولات المشهد الثقافي السعودي، وإقبال الشباب على الكتابة بمختلف أشكالها، ومع انفتاح المملكة على العالم، فإننا نقترب من لحظة تصبح فيها مهنة "كاتب" ليست مرموقة فقط، بل مربحة أيضًا. ويبقى على الكتّاب أن يتخلّوا عن دور الضحية، ويبدؤوا في التعامل مع الإبداع كمسؤولية مهنية، لا كترف وجداني فقط. فالشغف جميل، لكن العيش الكريم أجمل حين يأتي من ذات الشغف.