"الحب لا يعني أن ننظر إلى بعضنا البعض، بل أن ننظر معًا في الاتجاه نفسه"، هكذا قال سانت إكزوبيري. في ظل تصاعد حدة الخطابات في وسائل التواصل الاجتماعي حول مفاهيم الزواج ومحاولة البعض لاختطاف الوعي المجتمعي بتشويه صورة الرجل أو المرأة، والكثير من التوقعات غير الواقعية. مهم أن نعيد الأمور لمسارها الصحيح عبر التأكيد على أن الزواج كمنظومة هو كيان خالد بل البيت الآمن والحضن الحقيقي في وجه عواصف الخيانات والعلاقات العابرة التي لا قيمة لها. ففي المجتمعات التي تمر بتحولات سريعة، يُعاد تعريف العلاقات لا شعوريًا مع كل تغير في نمط الحياة، كل توسّع في أدوات التواصل، وكل تبدّل في أولويات الفرد. والزواج، كعقد اجتماعي وإنساني، هو إحدى أكثر البُنى حساسية لهذه التغيرات. نعم، مع هذا الزخم -للأسف- لم تعد العلاقات تُقاس بقدرتها على الاستمرار، بل بقدرتها على الإشباع اللحظي. في ظل هذه السرعة، يتراجع حضور المفاهيم التي كانت سابقًا من ركائز الارتباط: الصبر، الاحتمال، الصمت النبيل، والوفاء حتى في اللحظات الرمادية. ولأننا نعيش اليوم تقاطعًا واضحًا بين الموروث والمحسوس، وبين ما تربّينا عليه وما نطمح إليه، صرنا في حاجة ماسّة لإعادة تعريف الزواج لا كمؤسسة تقليدية، بل كشراكة إنسانية تُبنى من الداخل: من الحميمية، من التفهّم، من التفاصيل. الحب في جوهره ليس عاطفة فحسب، بل ممارسة اجتماعية مستمرة. يظهر في ترتيب مكان مشترك لا يزال يحمل دفء حضور الآخر، في سؤال صادق: "كيف كان يومك؟"، وفي صبرٍ على فتورٍ مؤقت لا يُفسَّر كفشل، بل كجزء من دورة العلاقة الطبيعية. العديد من حالات الانفصال اليوم لا تعود إلى خيانة أو صدامات عنيفة، بل إلى ما يمكن تسميته ب"الموت الهادئ للعلاقة" حين تتآكل التفاصيل، ويغيب الانتباه، وتتحول الحياة الزوجية إلى بيت بارد خالٍ من الحميمية. إنّ إعادة الاعتبار إلى التفاصيل، ليست دعوة للحنين، بل نداء للوعي. ابحث عن ما يولد شعور الانتماء بينك وبين شريكك، الزواج الناجح لا يُبنى على الكمال، بل على الاعتياد الجميل، على ألف تفصيلة تُقال دون صوت.