من خلال العمل في عدد من الجهات وقراءة العديد من المنشورات والكتب ذات العلاقة بالشراكات الاستراتيجية، وجدت أن هناك اختلافاً واضحاً إلى حدٍّ كبير في الفهم والتطبيق لمعنى الشراكة، فالشراكات تتفاوت في نضجها وعمقها ومسارها وأجندتها ومخرجاتها، من مكانٍ إلى مكان ومن زمانٍ إلى آخر، كما أنها أيضاً تتفاوت بين شراكات القطاع الحكومي التي بالمُجمل تبحث عن التعاون وتبادل الخبرات وتتأرجح ما بين المجاملة الدبلوماسية وما بين تحقيق المنفعة الكاملة للتعاون، وبين شراكات القطاع الخاص التي ترتكز على المصلحية التبادلية. إن الشراكة تعتبر عاملًا ممكنًا (enabler) وليس جوهر أو أساس العمل (core business) للغالب من الجهات، ودور الشراكة يكمن في البحث عن أفضل الشركاء الدوليين لتحقيق مستهدفات الجهة الاستراتيجية التي لا يمكنها إنجازها منفردة، لذا يمكن تحديد التوجهات للشراكات والمُستمدة من المستهدفات الاستراتيجية للمنشأة القابلة للقياس، من خلال التنسيق مع القطاعات ذات العلاقة -بجوهر وأساس عمل الجهة- ورسم تصور عما يُسمى بالأخذ والعطاء (Give & take)، فما نُريد الحصول عليه هي الحاجات (needs)، وهي ما لا يمكن للجهة تحقيقه دون وجود شريك استراتيجي، كذلك تحديد ما يمكن تقديمه للشريك بالمقابل، أو بمعنى آخر ما يمكن المقايضة به وهناك نكون أمام ما يسمى بالأجندة التفاوضية (Negotiation Agenda) والتي يكون في طياتها عددٌ من السيناريوهات للتفاوض، عملية الرسم هذه ليست بالأمر الهين، ولكنه الممكن، من خلال إيجاد القيمة المُضافة للشريك وللجهة التي تبحث عن شراكة، بعد هذا يأتي رصد الشركاء الأنسب. يكون لنموذج الاتفاقيات دور مُهم لكافة الأطراف ولها عدد من المُتطلبات المُوجبة للفحص والتمحيص، فهذه النماذج يلزمها أن تكون مُحددة وبعيدة عن العموميات، فما لا يُمكن قياسه لا يُمكن إنجازه والتي تؤدي أحياناً إلى تفسيرات مُختلفة، وأحياناً أخُرى إلى عدم القدرة على قياس التقدم، كما يجب أن تكون هذه النماذج مدروسةً بشكل محكمٍ ومتأنٍّ للحد من النزعات التي قد تنشأ، وأن تكون هذه الاتفاقيات مُزمنة وشاملةً خارطة طريق واضحة للأطراف تُحدد فيها المهام والمطلوب إنجازه من كافة الأطراف، إن النموذج المُتفق عليه، وما يحمله من مُبادرات وفُرص ومشاريع، هو ما سيتم العمل عليه ومتابعته وتقييمه بشكل مُستمر، وهي تُعد الخطوة الأخيرة والأولى من الشراكة، والتي بناءً عليها إما أن يتم التعديل أو الإلغاء، ويُطرح التساؤل التالي؛ هل حققت الشراكة الهدف منها، أم أنها كانت حبرًا على ورق واجتماعات لم تُؤتِ أُكلها؟ ما زلتُ أرى أن في جعبة الجهات ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي الكثير لتعطيه للاقتصاد الوطني، وذلك بأن تكون استباقية (Proactive) بدلًا من أن تكون مجرد ردة فعل (Reactive) نتيجةً لمُبادرة طرحها الآخر لتحقيق أهدافه، كذلك من المُهم جداً عمل مراجعة شاملة سواء للحوكمة والفاعلية والأداء والإنجاز، إن كثرة المُبادرات والفرص والمشاريع لا تعني النجاح ما لم تُنفذ، مع ضرورة التركيز على بعض الدول التي أجد أن التركيز عليها أقل من مثيلاتها؛ مثل القارة الإفريقية وبعض دول أميركا الجنوبية وشرق أوروبا ودول آسيا الوسطى، كما أن من الفاعلية الكُبرى للشراكة هو تشاركية القطاع العام مع الخاص في أعمال الشراكة بشكل فاعل ومؤثر، فالقطاع الخاص هو المُحرك الرئيس لبوصلة العلاقة من مبادرات وفرص ومشاريع، ختاماً لقد أوجدت الرؤية والاستراتيجيات الوطنية المُنبثقة فرصاً ذهبية للدخول في شراكات دولية فاعلة ومؤثرة تعود بفائدة كُبرى للاقتصاد الوطني.