محمية الأمير محمد بن سلمان تحتفي بولادة أول"وعلين نوبيين"    "تاسي" يغلق مرتفعاً    تعكس قوة وتنوع الاقتصاد السعودي.. 9 مليارات ريال فائض تجاري خلال شهر    "التجارة" تشهر بمواطن ومقيم لارتكابهما جريمة التستر    أكد أن مؤتمر «حل الدولتين» يدعم حقوق الفلسطينيين.. وزير الخارجية: السعودية تعمل على إرساء السلام العادل بالشرق الأوسط    اعتقال صاحب «السفارة الوهمية» بالهند    ترمب يسعى لإنهاء حرب أوكرانيا    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق AG.AL يحصد بطولة Honor of Kings    النصر بطل    بدعم جيسوس.. النصر يخطف" جواو فيليكس"    إحباط تهريب 75,000 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    إحالة 26 مخالفة لحماية الآثار للجهات المختصة    أحمد العوضي..«علي كلاي» في رمضان    "مانجا للإنتاج" تعزز المحتوي الإبداعي المحلي    عقدت اجتماعها الدوري برئاسة المفتي.. هيئة كبار العلماء تستدعي خبراء لتقديم رؤى متخصصة    عملية تجميل تمنع امرأة من السفر    إيقاف مصنع منتجاته تهدد السلامة.. الغذاء والدواء: ضبط 471 منشأة مخالفة وإغلاق 28    أجريت إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية فصل التوأم السوري «سيلين وإيلين»    النصر يعين البرتغالي"سيماو كوتينيو" مديراً رياضياً خلفاً ل"هييرو"    وزير الخارجية: «حل الدولتين» يستند لموقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية    حالات تستوجب تخفيف السرعة أو إيقاف المركبة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول «وعلين نوبيين»    بعثة الأخضر للصالات تصل بانكوك للمشاركة في بطولة القارات الدولية    الربيعة ل«الرياض»: دعم القيادة حقق إنجازات طبية    القادسية يستهل المرحلة الثانية من الإعداد في إسبانيا بتواجد الوافدين الجدد    البرتغالي سيماو كوتينيو مديرًا رياضيًا للنصر    نادي الصفا يدشّن فعاليات "صيف صفوى" للفتيان والفتيات    الهلال الأحمر بجازان يُحقق المركز الأول على مستوى فروع المملكة في الاستجابة للحوادث المرورية والبلاغات الطارئة    العلاقات السعودية السورية الاستثمار بوابة التعاون الجديد    قصف إسرائيلي يوقع ثلاثة قتلى في لبنان    إسرائيل تعلن «هدنة» في ثلاث مناطق في غزة    «إثراء» يختتم مهرجان الصغار بحضور مئة ألف    «المتاحف» تعيد افتتاح متحف قصر المصمك في الرياض    البيتكوين يتجه إلى التصحيح برغم محاولة البائعين استعادة الهيمنة    "كبار العلماء" تعقد اجتماعها ال(97)    أمير نجران يدشن مركز الدفاع المدني ومقر محافظة ثار    أمير الشرقية يلتقي رئيس مجلس أمناء جامعة عبدالرحمن بن فيصل    22%النمو السنوي لإنتاج الذهب بالسعودية    "حرس الحدود":يقيم معرضًا توعويًا بالسلامة البحرية بمنطقة جازان    1.6 مليون مستفيد بمستشفى الملك عبدالعزيز في مكة    دعوة لتنظيم عالمي عاجل للذكاء الاصطناعي    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى السياسي رفيع المستوى 2025    اتفاق على محادثات لوقف النار بين تايلاند وكمبوديا    القبض على مخالفين لنظام أمن الحدود لترويجهما مواد مخدرة في جازان    المزاد الدولي للصقور يعود في أغسطس بمشاركات قياسية    وكيل إمارة المدينة يدشن فعاليات لدعم ذوي الإعاقة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام البريطاني بجدة    مختص: استشارة الزوج لزوجته وعي عاطفي لا ضعف في القيادة    قصر كوير    ثعبان بربادوس الخيطي يظهر بعد عقدين    أنغام تطمئن جمهورها بعد الشائعة    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    الفيفي إلى عش الزوجية    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يزمجر أبي وأمي.. أفقد نفسي
نشر في الرياض يوم 09 - 06 - 2025


هي مشكلة قد تبدو صغيرة في ظاهرها، لكنها عظيمة في تأثيرها على شخصية الأطفال: (الصراخ) و(التربية الصارمة). هذان الأمران قد نشاهدهم في مختلف الأماكن: المنزل، المدرسة، الحضانة، وحتى في أماكن الترفيه مثل مدينة الألعاب. أمرٌ قد يكون متفشيًا بيننا، كأنه وباء، ينتقل من مكان إلى آخر، ويؤثر على عقول أطفالنا وسلوكهم بشكل عميق. كان سبب بحثي وكتابتي لهذا التقرير أن كثيرًا ممن حولي يستصغرون هذه المشكلة بقولهم: (يكبر وينسى) أو (ما ضرنا، نحن هكذا تربينا)، أو (اضرب الحديد وهو حامٍ). ولا يعلمون أن مشكلاتهم الحالية، أو قلقهم الزائد، أو ربما اضطرابات النوم وقلة التركيز التي يعانون منها، هي في الحقيقة نتاج لما كانوا يتعرضون له في طفولتهم من صراخ أو تربية صارمة أو قرارات خاطئة وغيرهاوهذا لا يعني التعميم، فلكل قاعدة شواذ. بداية استدل بهدي نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبآياتٍ من القرآن الكريم نستدل بها على حق حسن الرعاية. عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قبَّل النَّبِيُّ (ص) الْحسنَ بنَ عَليٍّ رضي اللَّه عنهما، وَعِنْدَهُ الأَقْرعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشرةً مِنَ الْولَدِ مَا قَبَّلتُ مِنْهُمْ أَحدًا، فنَظَر إِلَيْهِ رسولُ اللَّه (ص) فقَالَ: "مَن لا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ متفقٌ عَلَيهِ". وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: قدِم ناسٌ مِن الأَعْرابِ عَلَى رسولِ اللَّه (ص) فقالوا: أَتُقبِّلونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قالوا: لَكِنَّا واللَّه مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رسولُ اللَّه (ص): أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّه نَزعَ مِنْ قُلُوبِكُم الرَّحمَةَ متفقٌ عَلَيْهِ. فإذا كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قد أنكر على من حرم أولاده حنان التقبيل، فكيف بالصراخ الذي يجرح الأرواح، والإساءة اللفظية التي تخدش براءة القلوب، والتربية الصارمة التي لا تعرف للمرونة سبيلاً؟ المقصود بالصراخ: رفع الصوت على الطفل بطريقة غاضبة أو عنيفة بهدف التأديب أو السيطرة، لكنه غالبًا يجعل الطفل يشعر بالخوف أو الحزن بدلاً من أن يتعلم التصرف الصحيح. أما التربية الصارمة فهي أسلوب يعتمد على فرض القوانين بصرامة شديدة دون مرونة أو نقاش، حيث يُتوقع من الطفل الطاعة الكاملة دون أن يُعبر عن رأيه أو تُراعى مشاعره ووجود توقعات عالية على الطفل أكاديمية أو اجتماعية. في دراسة نشرت في مجلة Child Abuse & Neglect عن "التأثير الحقيقي للصراخ والإساءة اللفظية على الأطفال"، خرجت ب: أن الإساءة اللفظية من الكبار تجاه الأطفال، والتي تشمل الصراخ والإهانة والتهديدات اللفظية، قد تكون ضارة لنمو الطفل بقدر الإساءة الجسدية أو الجنسية. كثيرًا ما يغفل الناس عن فهم حقيقة مؤلمة: أن بعض السلوكيات البسيطة، التي لا تترك أثرًا ظاهرًا على الجسد، قد تُخلف جروحًا غائرة في الروح. الصراخ، والإساءة اللفظية المستمرة، قد تبدو هفوات عابرة، لكنها تبني داخل الطفل ألمًا صامتًا، يكبر معه، يرافقه في سنوات مراهقته، ويتسلل إلى شبابه، كجرح لا يراه أحد، لكنه لا يكفّ عن النزيف. وفقا للدراسة فأن نحو 40 % من الأطفال يتعرضون للإساءة اللفظية، وهذه النسبة في تزايد مستمر. وفي الواقع، تكشف لنا هذه النسبة حجم الاستهانة التي يلقاها هذا النوع من الإساءات، ومحاولات التغاضي عنه تحت ذرائع شتى. ولا نقصد هنا الوالدين وحدهم، بل كل من يحيط بالطفل ويشرف على تربيته: من أب وأم وإخوة ومدرسين وأقارب وجيران وغيرهم. فربما لا يكون الأذى صادرًا عن الوالدين مباشرة، بل يسمح به الآخرون بدافع "الحرص على التربية" أو "مجاراة العرف الاجتماعي"، في حين أن هذا السلوك، مهما تزيّا بأثواب المبررات، يبقى مرفوضًا جملةً وتفصيلًا. الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة اللفظية في الطفولة كانوا أكثر عرضة لتعاطي القنب او ما يعرف بالحشيش (19.9 % مقابل 10.8 %) وأكثر عرضة لدخول السجن لاحقًا (4.4 % مقابل 2.4 %) مقارنة بمن لم يتعرضوا لها. الكلمات الأكثر إيذاءً التي يسمعها الأطفال كانت مثل: "أنت غبي"، "أنت عديم الفائدة"، "لا يمكنك القيام بأي شيء بشكل صحيح"، بينما كانت الكلمات الإيجابية مثل: "أنا فخور بك"، "أنت تستطيع"، "أنا أؤمن بك" وهذا يعد دليلاً واضحاً على أن الكلمات، رغم أنها قد تبدو غير مؤذية في ظاهرها، إلا أن لها أثراً محزناً وخادشاً لروح هؤلاء الأطفال، يؤثر فيهم بشكل عميق على المدى الطويل. أكد الباحثون أن الأطفال مهيؤون وراثيًا لتصديق كلام الكبار، وأن خيانة هذه الثقة من خلال الكلمات المؤذية تترك آثارًا نفسية عميقة تشمل العزلة، ضعف تقدير الذات، اضطرابات نفسية معقدة، وقد تؤدي إلى إعادة تكرار أنماط الإساءة في علاقاتهم مستقبلاً. وفي دراسة لمنظمة الصحة العالمية وجدت أن 36.1 % من الأطفال حول العالم تعرضوا للإساءة العاطفية (بما فيها اللفظية)، مقارنة ب25 % تعرضوا للإساءة الجنسية و22 % للإساءة الجسدية. وأكد الباحثون أن قلة وعي البالغين تجعل من الصعب رصد هذه الظاهرة والوقاية منها، وطالبوا بضرورة توعية الآباء بخطورة أسلوب كلامهم مع أطفالهم. كما ذكرت سابقاً، إذا كان من حقنا أن نرفع شكوى قانونية ضد رئيس العمل الذي يسيء لنا لفظياً، فإنه من حق أطفالنا أيضاً أن لا تمس أرواحهم بمثل هذه الزمجرات اللاإنسانية، فقط لأنهم أسقطوا كوب الحليب على الأرض، أو لأنهم كسروا كأساً، أو عادوا متسخين من الخارج. أي عذر تافه وأحمق يصبح ذريعة للصراخ. في دراسة أخرى كان عنوانها "الآثار السلبية لأسلوب التربية السلطوي على تفاعلات الأطفال (3-6 سنوات) مع أقرانهم. كانت نتائج هذه الدراسة مرعبة بالنسبة لي شخصياً، جعلتني أتمنى لو أنني لم أقرأها. تخيل مدى تأثير ما نفرضه على الأطفال من قوانين غير مرنة وتوقعات غير قابلة للتطبيق، إنها تحمل نتائج وأبعاداً مرعبة على علاقة الأطفال مع أقرانهم. فكانت النتائج : كشفت الدراسة أن أسلوب التربية السلطوي له تأثير سلبي ملحوظ على تفاعلات الأطفال مع أقرانهم. الأطفال يقلدون التعبيرات اللفظية والعاطفية التي يلاحظونها من الوالدين، وعندما يواجهون مواقف اجتماعية، يتصرفون بناءً على ما تعلموه. الآباء السلطويون يتسمون بقلة الاحترام لآراء أطفالهم وكثرة الانضباط والعقوبات دون تقديم تشجيع أو ملاحظات إيجابية (Liu and Feng, 2023)، مما يؤدي إلى ضعف في تطور شخصية الطفل وزيادة السلوكيات العدوانية والعزلة الاجتماعية. بعض الأطفال يصبحون منسحبين اجتماعيًا (غير مرئيين)، أو قد يخالفون القواعد نتيجة للبيئة القمعية التي نشؤوا فيها. هذه الأنماط تعيق التطور الاجتماعي الإيجابي وتؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأطفال. بشكل عام، يدعم هذا العديد من الفرضيات، وغالباً ما يعني أن الأبناء الذين تعرضوا لمثل هذا النوع من التربية الصارمة يعانون من عدة مشاكل، مثل فقدان الحماس الأكاديمي للنجاح، وفقدان المعنى، والخوف غير المبرر من الفشل، وتدني تقدير الذات. وكلها أمور شائعة، للأسف، نراها كل يوم ولكن بأسماء لطيفة مثل (فقدان الشغف)، و(غير مقدر)، و(أكاد ما أستطيع)، وغيرها. نسمع هذه العبارات من المراهقين أو حتى الأشخاص البالغين. هذه الآثار تتجذر وتنتشر فينا وتدفعنا للتفكير قليلاً في الأمر. إذا كان الجميع يحب المدرس أو الدكتور أو حتى المدير المرن ويسعى لإرضائهم بتفانٍ، لأنه يُظهر مرونة ويعطينا مساحة لطرح آرائنا والنقاش معهم، فما بالك بالأطفال؟ يقضي معظم الأطفال ساعات طويلة مع والديهم، فكيف سيكون الحال إذا واجهوا أخطاء غير مقبولة أو نقاشات ممنوعة، بالإضافة إلى أساليب التربية القاسية أو العبارات الجارحة مثل: "إذا تكلم الكبار، يجب أن تسكت" أو "ما بقى إلا هذا البزر يعلق علينا". تخيل لو كنت تعمل تحت إدارة صارمة لا تقدر رأيك ولا تقبل منك أي خطأ لمدة 16 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع. من المؤكد أنك ستشعر بالجنون والانهيار حتى وأنت بالغ. فما بالك بطفل يتراوح عمره بين 2 و 17 عامًا؟ رفقًا بهم، يا قوم. إن روح هؤلاء الأطفال، ومشاعرهم، وأفكارهم أمانة نحاسب عليها يوم القيامة. لذلك يجب أن نكون أكثر رفقًا وتساهلاً معهم. لا داعي لأن نكون أشخاصًا مزعجين طوال الوقت أو كالقضاة الذين يفرضون الأوامر والعقوبات بشكل مستمر. هل يمكننا أن نكون أكثر مرونة قليلاً؟ هل نستطيع أن نرمي توقعاتنا غير المنطقية عن مستقبلهم جانبًا، ونكون أكثر لطفًا مع ما يريدونه هم؟ يجب أن تكون توجهاتنا ضمن حدود المعقول. لا نتوقع من طفل في سن 7 إلى 8 سنوات أن يكون هادئًا طوال الوقت، يقرأ بلا تعب، ويظل في حالة من التركيز المستمر. فلنسمح لهم بأن يقفزوا ويلعبوا! ماذا يعني ذلك؟ دعهم يعبّرون عن أنفسهم ويمارسون طفولتهم بحرية. وفي الختام، أتمنى لكم ولأطفالكم حياة هادئة ومليئة بالسلام، وأشكر لكم اهتمامكم بقراءة هذا المقال.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.