منذ توحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - أرجاء هذا الوطن الغالي، ترسخت في قلب القيادة وأبناء المملكة عقيدة راسخة، مفادها أن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد مسؤولية سيادية، بل هي شرف عظيم وميراث ثمين يتوارثه ملوك هذه البلاد المباركة جيلاً بعد جيل، إنها رسالة سامية تنبع من أعماق الروح الإسلامية، وتفيض بالرحمة والإنسانية في كل تفاصيلها، لتجسد أسمى معاني العطاء والكرم في خدمة ضيوف الرحمن ومع اقتراب موسم حج 1446ه، تتجلى هذه الرسالة في أبهى صورها، بتوجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - حيث تُسخر المملكة كل طاقاتها البشرية والتقنية والمكانية، لتقديم موسم حج آمن، يتسم بالسهولة والطمأنينة والروحانية والخدمات المتجددة، ليست الجهود موسمية، بل تتجدد على مدار العام، ضمن منظومة تخطيط متقدمة، تجعل من كل موسم امتدادًا لما سبقه، وانطلاقة لما هو أعظم. وقد شكّلت التحولات الرقمية أحد أبرز ملامح التطوير في خدمة الحجاج؛ إذ وفّرت منصة "نسك" واجهة موحدة للحصول على تصاريح الحج، وإصدار بطاقات ذكية تُمكِّن الحجاج من التنقل بيسر، وربطهم بالخدمات الصحية والإرشادية والميدانية، مما أسهم في تسهيل الإجراءات، ورفع جودة الخدمة. وفي قلب المشاعر المقدسة، يتكامل "قطار المشاعر" مع منظومة حديثة للنقل، تُعززها حافلات ذكية مزوّدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وأجهزة تتبع لحظي، وشاشات متعددة اللغات، ومقاعد مريحة تستجيب لمتطلبات الحجاج من مختلف الثقافات. وتُعد الصحة والأمن من الركائز الأساسية التي أولتها المملكة عناية استثنائية، ففي أول أمس أعلن انتهاء تجهيز مستشفى طوارئ جديد في مشعر منى على مساحة 5.3 آلاف م2 وقد تم إنشاؤه في 30 يوماً، و يشارك بموسم الحج أكثر من 32 ألف ممارس صحي، موزعين على أكثر من 30 مستشفى و140 مركزًا صحيًا، مدعومين بتقنيات مراقبة متقدمة واستجابة طبية فورية، أما في شأن إدارة الحشود، فقد أصبحت أنموذجًا عالميًا بحد ذاتها، حيث تُدار عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيرة، والكاميرات الحرارية، لتحقق التوازن بين الأمن والقدسية. وقد شهد موسم حج العام الماضي، تجربة جديدة رائدة تمثلت في التشغيل التجريبي للتاكسي الطائر لخدمة ضيوف الرحمن، في خطوة نوعية نحو استخدام النقل الجوي الذكي لتسريع عمليات الإخلاء الطبي والنقل الطارئ بين المواقع، بما ينسجم مع توجهات المملكة لتبني حلول مستقبلية مبتكرة. وبذلك، سوف يصبح موسم حج هذا العام نموذجًا متقدمًا يواكب تطلعات المملكة نحو مستقبل أكثر أمانًا ورعاية، يعكس ريادتها في خدمة حجاج بيت الله الحرام. وفي إطار هذا المشهد المتكامل، تبرز "مبادرة طريق مكة" كإحدى أجمل صور العناية والابتكار، حيث رافقت المبادرة أكثر من مليون حاج منذ مغادرتهم بلدانهم، عبر إنهاء إجراءات دخولهم من مطارات بلدانهم، ضمن تجربة سلسة تليق بكرامة الحاج، وتختصر عناء التنقل والإجراءات، وتضع راحة الحاج في مقدمة الأولويات. إن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد واجب تنظيمي في رؤية السعودية 2030، بل هي جوهر ينبض بروح "وطن طموح" يجمع بين الإيمان والأصالة والابتكار، تتحول خطوات الحاج إلى تجسيد حي للرحمة والكرم الذي لا ينضب، تُخلد ذاكرة الحجاج المواقف الإنسانية التي تعكس عمق هذه الخدمة، من استقبالهم بحفاوة عند المنافذ، وابتسامات رجال الأمن والمتطوعين، إلى رعايتهم للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، والتكاتف في أوقات الطوارئ، مما يجعل تجربة الحج رحلة روحانية وإنسانية لا تُنسى، ومع كل موسم، تُسطر المملكة بقيادتها الحكيمة وشعبها أروع معاني التفاني والإخلاص، مؤكدة مكانتها كحامية وقائدة للعالم الإسلامي، وتوفير أعلى مستويات الراحة والأمان لضيوف الرحمن، في ملاذ مقدس ينبض بالكرم والرحمة بلا حدود، وهكذا تستمر المملكة في أداء رسالتها الخالدة، محولة موسم الحج إلى نموذج فريد من الدقة والكفاءة، وحاملة تاج الخدمة بفخر، وناقلة إرثًا عريقًا تتوارثه الأجيال عبر الزمن. * عضو مجلس الشورى