الأمير عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل السنوي للقوات المشاركة في موسم الحج    وزير الخارجية يصل إلى الأردن لحضور اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة بشأن غزة    نهضة رياضية    القيادة تتلقى رسالتين خطيتين من رئيس مصر    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يتوج «الاتحاد» بكأس الملك    وزير الداخلية يدشن المستشفى الميداني ويتابع سير العمل في المشاعر    وزير الداخلية يتابع سير العمل في مركز العمليات والتحكم بقطار المشاعر المقدسة في مشعر عرفات    تقرير: 80 % من قطاع غزة منطقة عسكرية أو يخضع لأوامر إخلاء    مركز التحكيم الرياضي السعودي يطلق موقعه الإلكتروني الجديد    وزير الداخلية يقف على استعدادات الجهات الأمنية لحج هذا العام    عبدالعزيز بن سعود يتفقد عددًا من المشروعات التطويرية في المشاعر المقدسة    سان جيرمان يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا بخماسية أمام إنتر ميلان    استعداداً لنهائيات كأس العالم .. "الأخضر" تحت 17 يجري تدريباته في معسكر قطر    غرامة 20,000 ريال لناقلي حاملي تأشيرات الزيارة إلى مكة والمشاعر    السجن لمقيمَيْن نشرا إعلانات مضللة للترويج لحملات حج وهمية    إقامة النسخة الثانية من «ملتقى إعلام الحج»    انخفاض أسعار «البتروكيميائية» مع زيادة المعروض وتراجع الطلب    محمد بن سلمان.. نُبل القيم    سماحة مفتي عام المملكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالحرمين وأئمة الحرم    حُلمُ الكفيف اليمني "الخُديري" يتحقَّقُ.. مشاعرُ إيمانية تُبصِرُ النور في مكة    «مركزي القطيف» يحقق 99.06 % ب«سباهي» ويعزز قوة خدماته    "الدارة" تعلن عن برنامجها لتعزيز الوعي التاريخي والهوية الوطنية    "الثقافة" تطلق منحة لتعزيز العلاقات الثقافية السعودية - الصينية    واشنطن تحذر من تهديدات بكين    سمو محافظ الطائف يطّلع على تقنيات "سدايا" وحلولها الذكية لخدمة ضيوف الرحمن في جناحها بمعرض البهيتة الأمني    حين تغلق الفصول الدراسية قبل أوانها    وينك يادرب السعادة    جامعة أمِّ القُرى تشارك في معرض نافسا الدَّولي للتَّعليم 2025    100 مادة مخدرة ضبطت بالمنافذ خلال أسبوع    رقابة على 30 ألف محل تجاري وغذائي    318 ألف فسح صحي للمواشي    رئيس جمهورية المالديف يزور المسجد النبوي    المواقف السعودية تتواصل لمساندة الحكومة والشعب.. إنعاش الاقتصاد السوري بدعم مالي للموظفين    اتفاقية سعودية كورية لتوطين إنتاج تقاوي البطاطس    ضبط شخصين في حائل لترويجهما أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    مدلي الرويشد يجمع القلوب قبل الأصوات    السعودية وقطر تقدمان دعما ماليا للقطاع العام السوري    بعد مرور أكثر من عقدين.. الوفاء يطرق باب العدل    وزير الخارجية: ولي العهد وجه بتقديم الدعم والإسناد إلى سوريا    بريطانيا تبدأ حظر بيع السجائر الإلكترونية أحادية الاستخدام    إنجاز مستشفى منى في 30 يوما    أمانة جازان تعلن طرح منافسة على مشروع حقوق التسمية والرعاية ل"شاطئ السباحة"    "الصحة" تفعّل خدمات الاستشارات الطبية الافتراضية لضيوف الرحمن ب7 لغات على مدار الساعة    "طريب للتفوق العلمي" تستقبل شهادات الجامعيين والدراسات العليا (بنين وبنات) بدورتها (14)    سماحة مفتي عام المملكة يستقبل المستفتين ويوجّه بتكليف عدد من أصحاب الفضيلة للرد على استفسارات الحجاج    الصبان رعى الختام المثير وتوج الأبطال .. هاتريك تاريخي يقود الحريق لصدارة سوبر التايكوندو    الاتحاد يتوج بأغلى الكؤوس بعد تغلبه على القادسية بثلاثية    ترمب يودع إيلون ماسك ويؤكد: «سيبقى جزءًا من الفريق»    محمد بن علي آل رضي يُعيَّن نائبًا للأمين العام وعضوًا في مجلس إدارة المنظمة العربية للأسرة    الدكتور أحمد علوش… قصة كفاح وسيرة أكاديمية ملهمة تجاوزت التحديات بالصبر والمعرفة    وزير الداخلية ينقل تحيات القيادة لأهالي الطائف ويؤكد استمرار دعم التنمية والأمن في المحافظة    الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي والصحي لانتشار قرود البابون على المجتمعات المحلية    أمير منطقة جازان يوجه بمواصلة تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين خلال إجازة عيد الأضحى    أمير منطقة جازان يتفقد محافظة الحُرَّثْ    مستشفى خميس مشيط العام يُنفّذ عدداً من الفعاليات    التقي نائب أمير مكة ودشن عدداً من المشاريع.. وزير الداخلية: القيادة حريصة على تعزيز أمن وسلامة الحجاج    تحذيرات من تفاقم المجاعة.. الأمم المتحدة: استمرار العدوان على غزة يخلف أضرارًا مروعة    "التخصصات": 5,125 خريجاً من البورد السعودي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

نُشرت في صحيفة الرياض سابقًا مقالات تناولت جودة التعليم العالي، وسبل تعزيز التميز المؤسسي، واستراتيجيات الريادة. واليوم، سنتكلم عن معضلة المبتكر (The Innovator's Dilemma) وجوهر هذه المعضلة يتمثل في تساؤل، كيف تفشل المؤسسات الناجحة؟ نعم إذا لم يصاحبها وعي عميق بتغيرات السوق والتكنولوجيا واحتياجات المستهلكين. حيث لم يعد النجاح المؤسسي ضمانًا للبقاء، بل قد يتحول في لحظة إلى عائق أمام التجديد والمنافسة. وهذا بالضبط ما يحذر منه المفكر الأميركي الراحل كلايتون كريستنسن في كتابه الأشهر "معضلة المبتكر"، والذي يعد اليوم من أبرز المراجع في فهم التحديات التي تواجهها المؤسسات الكبيرة حين تغفل عن الابتكار الحقيقي. في هذا المقال نستعرض تفسير هذا الكتاب الذي يُعد حجر الزاوية في فهم الابتكار المؤسسي وسنحاول إعادة قراءته من منظور سعودي معاصر يرتكز على تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
هذا المفهوم يلتقي بوضوح مع ما تناولته في عدد من مقالاتي المنشورة في صحيفة الرياض، مثل "المنظمات المتعلمة: من الجودة إلى الريادة العالمية" و"نحو عصر جديد من التميز". حيث شددتُ فيها على أن الريادة المؤسسية لا تنبع فقط من الالتزام بمعايير الجودة، بل من الجرأة على التجديد والتجريب، حتى وإن كان ذلك على حساب النجاحات التقليدية.
إن النجاح المؤسسي قد يكون خطرًا، هذا ما يرى كريستنسن أن المؤسسات الناجحة تسقط أحيانًا لأنها تركز على تحسين منتجاتها القائمة لخدمة عملائها الحاليين، بينما تنشغل شركات ناشئة بابتكار منتجات أبسط، أقل تكلفة، وتستهدف فئات لم تكن السوق تهتم بها من قبل. هذه الابتكارات تبدأ صغيرة، لكنها سرعان ما تتطور و تُنهي الكبار. هكذا حدث مع Netflix التي قضت على Blockbuster، ومع Uber التي غيّرت وجه النقل، ومع Tesla التي قلبت موازين سوق السيارات. وسبق أن تكلمنا في مقال " آليات التقييم المؤسسي: التأثير و تقرير المصير " عن شركة نوكيا ومصيرها كشركة هواتف تقليدية أمام صعود الهواتف الذكية، وشركة كوداك التي كانت رائدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، فشلت في التكيف مع ثورة التصوير الرقمي.
ليست المشكلة في ضعف هذه الشركات الكبرى، بل في أنها – وفق كريستنسن – تتبع منطقًا عقلانيًا يقودها إلى التركيز على الابتكار المستدام، الذي يحسّن المنتجات الحالية، بينما تتجاهل الابتكار الهدّام الذي يخلق أسواقًا جديدة ويعيد تعريف القواعد. يصنف كريستنسن الابتكار إلى ثلاثة أنواع رئيسية. الأول، "الابتكار المستدام" ويمثل تحسين تدريجي للمنتجات الحالية، يرضي العملاء الحاليين، لكنه لا يوسع السوق ولا يخلق وظائف جديدة. لذا فهو يحسّن من المنتجات القائمة دون أن يخلق نموًا حقيقيًا. والثاني، "الابتكار الهدّام" والذي يبدأ من فئات غير مخدومة، بمنتجات بسيطة، ثم يتحول إلى منافس قوي يغير قواعد اللعبة. مما يجعله يخلق أسواقًا جديدة ويوسّع القاعدة الاقتصادية ويوفر وظائف، والامثله على ذلك كثيره منها ماذكرنا التصوير الرقمي، الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية. أما الثالث فهو "ابتكار الكفاءة" والذي يخفض التكاليف ويزيد الإنتاجية، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى تقليص الوظائف.
وبحسب كريستنسن، فإن المشكلة تكمن في أن العقلية المالية التي ترسخت في الكليات الإدارية خلال العقود الماضية دفعت الشركات للتركيز على "التحسين وابتكار الكفاءة" والتي تركز على كفاءة العمليات والربحية قصيرة الأجل، على حساب الاستثمار في الابتكار الهدّام الذي قد يبدو مكلفًا وغير مضمون في بداياته، لكنه يحمل في طياته النمو المستقبلي الحقيقي. ويحذر كريستنسن من تكرار تجربة التسعينيات، حين ركّزت الشركات على تحسين الكفاءة وتقليص النفقات، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وفقدان الريادة. وهو ما بدأنا نلاحظه اليوم في الأسواق، التي تتردد في تبني التقنيات الجديدة خشية المخاطرة، في مقابل صعود شركات ناشئة تتبنى الفشل كجزء من عملية التعلم.
هذا النموذج يتناغم مع ما تناولته في مقالي "المنظمات المتعلمة". فالتعلم المؤسسي الحقيقي لا يقتصر على اكتساب المهارات أو تبادل المعلومات، بل يشمل القدرة على تغيير التفكير، والتجريب، وتقبّل المخاطرة، بل أحيانًا كسر المسلّمات.
إن الدرس للمنظمات السعودية هو "لا تكتفِ بالجودة ولا حتى التميز، ابحث عن الإبتكار في الفرصة الصغيرة" حين ننظر إلى ما تحقق في جامعات المملكة من تقدم ملموس، كما ناقشت في مقالي "جامعات سعودية حققت مراكز متقدمة علميًا... فماذا بعد ذلك؟"، ندرك أن المرحلة المقبلة تتطلب التوجه نحو ما أسميه "التميز الذكي". وهذا لا يتحقق فقط عبر رفع التصنيفات، بل عبر التفاعل مع البيئة الرقمية، وتبنّي نماذج عمل جديدة، واستكشاف الأسواق غير المستغلة، وهو ما يشكل جوهر الابتكار الهدّام.
كما أن الدعوة التي طرحتها سابقًا لتأسيس مركز وطني للتميز المؤسسي، كما ورد في مقال "نحو عصر جديد من التميز"، يمكن أن تُثري بما اقترحه كريستنسن، من خلال جعل الابتكار جزءًا من تقييم الأداء المؤسسي، وتشجيع الشركات على تخصيص حاضنات داخلية لتجريب أفكار غير تقليدية، حتى وإن كانت تخالف النموذج الربحي السائد.
هذه الأفكار تتقاطع بوضوح مع ما طرحته سابقًا في مقالاتي المنشورة، حول ضرورة الانتقال من ثقافة الجودة التقليدية إلى ثقافة التميز المؤسسي والتعلم المستمر. فليس المطلوب من المنظمات السعودية فقط أن ترفع تصنيفاتها أو تحسن من منتجاتها الخدمية وغير الخدمية أو تحقيق مؤشرات الأداء، بل أن تتبنى نموذجًا ذكيًا للابتكار، يقوم على استكشاف الفرص الصغيرة، وتبني نماذج عمل جديدة، والتفاعل بذكاء مع التحولات الرقمية، بل وخلق مساحات آمنة لتجريب الأفكار الخارجة عن المألوف.
خاتمًا، لا تَخَف من فشل صغير... بل من نجاح كبير يمنعك من التغيير. ما يجعل كتاب "معضلة المبتكر" مهمًا ليس فقط فيما يطرحه من مفاهيم، بل توقيته. فنحن اليوم، في المملكة، في خضم تحول وطني كبير يقوده الطموح ويُحفزه الابتكار. ونجاحاتنا في تحقيق رؤية 2030 لن يكون فقط بتحقيق الأهداف الكمية، بل بتبني فكر جديد، يرى في التغيير فرصة لا تهديدًا، وفي الأفكار الصغيرة بذورًا لتحولات كبرى.
إن المنظمات التي تنجح في القرن الحادي والعشرين ليست تلك التي تعرف كيف تحسّن ما لديها، بل تلك التي تجرؤ على أن تخلق شيئًا جديدًا حتى لو بدا في البداية غير ناضج. وكما يقول كريستنسن: "المنتجات الضعيفة اليوم قد تصبح أعمدة السوق غدًا". ويبقى السؤال الحقيقي لكل قائد وكل منظمة: هل نحن مستعدون حقًا لنكون صُنّاعًا للمستقبل، أم سنظل نعيش على أمجاد الماضي ونكتفي بما حققناه في الحاضر؟
*قسم الإحصاء وبحوث العمليات – كلية العلوم – جامعة الملك سعود
البريد الإلكتروني: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.