يمر المشهد الفني السعودي بمرحلة تحول استثنائية، شاركت فيها أطروحات الرواد التي بلورت ملامح الهوية البصرية بأبعادها المتعددة كلبنات فاعلة لشحذ وإثمار الاقتصاد الإبداعي، وعرض التأليفات والتجارب الإبداعية، لتصدير المعادلات الشكلانية لقضايا مجتمعية وموضوعات راهنة ومفاهيم فلسفية ورسائل وجدانية كثيفة المعاني تخاطب الوجدانية، وترويض ذلك بقوة داخلية وصدق يشكل المحسوس الجمالي لبلورة الفكرة وتلمس سرد بصري، يتكئ على فهم لطرق تناول الوسائط لتصدير حلول فنية خاصة تستغلق على حداثة بصريه سعودية معاصرة تلتحف بإرث وتاريخ كنيز. واحتفاء برواد الفن السعودي ذوي الدور الفاعل في المشهد الفني وبرعاية «مؤسسة مسك الخيرية» التي أسسها ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان ينبري «معهد مسك للفنون» كمنصة فنية وثقافية تختص بعرض الأعمال، بتنظيم «سلسلة المعارض الفردية» للرائدين د. محمد الرصيص، خليل حسن في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بالرياض، من 23 أبريل- 25 سبتمبر، للتعريف بمسيرة الفنانين واقتفاء أثرهم الإبداعي وعرض مذهبيتهم الفنية وتناميها، بهدف توثيق التاريخ وترسيخ المكانة في الذاكرة الأيقونية الثقافية، وبناء ذاكرة لحركة الفن السعودي التي تحتفي بروادها النابهين، بما يسطر «ذاكرة الفنون» ويعضد الذاكرة المرجعية لأصحاب الرؤى الإبداعية، ورواد التثقيف الفكري الدافع لإنعاش ذاكرة الأجيال نحو تلك المرجعيات الفنية. ليأتي بذلك «مسك» كمنصة تستعرض روايات من تاريخنا الفني، وأصوات المواهب السعودية، وتسلط الضوء على رواد الحركة الفنية السعودية وتوثيق مسيرتهم الإبداعية ذات التأثير وإسهاماتهم في المشهد الثقافي، لتأطير الفن السعودي وشحذ مكانته، وتوثيق تجارب الرواد الذين مثلوا قاطرة التثقيف الجديدة، وتوضيح إسهاماتهم في تشكيل الهوية البصرية للفن السعودي، مع الحفاظ على الإرث الفني السعودي وتوثيقه للأجيال القادمة، لتقديم هذه التجارب في سياقها الأكاديمي والتوثيقي، مع إتاحة الفرصة للجمهور للتفاعل مع الفنانين من خلال ورش العمل والحوارات المصاحبة، مع الحفاظ على الإرث الفني السعودي وتوثيقه للأجيال القادمة. محمد الرصيص وبين الطراز: تحتفي الفاعلية بالمنهجية الفنية وتحولاتها في مسيرة «الرصيص» كأحد أصحاب التجارب الملهمة ورواد الفن النابهين، والفاعلين في الحراك التعبيري، كناقد فني وفنان مخلص لمشروعه الفني، وصاحب صدق بصري وإبداعي زاوج فيه بين (الأصالة والحداثة والرؤية) باستلهام جوهر العمارة السعودية لتجسير المسافة بين الماضي والحاضر، مقدمًا منظورًا شخصيًا عميقًا ذا صدى عالمي حول البيئة المعمارية ودورها في تشكيل الهوية، واعتماده على الموروث الشعبي بتكوينات تتسم بعبق الأثر ورؤية نقائية تتلمس الحقيقة والشكل الخالص داخل إطار ومحددات التجريدية والمنطلقات الفلسفية والجمالية لتلك النزعة، وحسب أولويات فنية ومفاهيمية تؤطر الهوية برؤية منظورية خاصة سعى إليها الفنان. لينبري تفكيره البصري عبر عناصره ذات الطبيعة غير المألوفة أو المعتادة لبصرية ووجدان المتلقي وعادات التلقي لديه، واستخدام تقنيات جريئة تنبع من صدق ونفسية المبدع بعد أن ينسجها إلهامه في قوالب تجريدية، والابتكار الشكلي الجريء في تجاوز للمعايير الاتباعية من حيث اختيار التقنيات والعناصر والموضوعات ملتحفاً في ذلك بهوية وشخصية تفصح بالمعاني والدلالات بعيداً عن تجسيد الظاهر من الأشياء بمتانة وبساطة مقدسة منبثقة من قدرات الفنان كمصور يتقن الولوج إليها في فلسفة وملكة تجريدية، تؤسس بنائيات رصينة ذا حبكة إنشائية وقيم جمالية يتماطر فيها السحر البصري مع الرؤية الفلسفية التجريدية- التي تشحذ التصعيد الدينامي لنصوصه. وباعتبارها كيانات مفعمة بالحياة ومصطبغة بثقافة مجتمعية، وعبر شغف معماري توازى مع التحولات المعمارية بالرياض، استلهم الرصيص بيوت الطين التقليدية والعناصر المعمارية النجدية مثل: الأفنية والشرفات والزخارف الهندسية والتراث المحلي، عبر مستويات متناوعة من التجريد تضمن بعضها مخططات تلخيصية للعناصر المعمارية، وإلغاء الحدود التقليدية بين مساحات البيوت لصالح إحساس حركي، وأطروحات أخرى تحررت من التمثيل المكاني التقليدي لتتحول فيها العناصر المعمارية لأشكال تستحضر ملامح إنسانية في تأكيد للعلاقة بين البيئة المعمارية وساكنيها، وإعادة تأويل للتقاليد السعودية باستخدام الأشكال الحادة والخطوط الممتدة والمساحات والكتل الإيقاعية النابضة ومخططات اللون الدالة. "خليل حسن خليل" وقد سمعنا ما قلت في الأحلام: يقدم المعرض خلاصة فلسفة الرائد خليل حسن خليل تحت مسمى «المدرسة الحُلمية» من خلال تكوينات مؤسسة على عناصر الثقافة المحلية، واسترداف منابع الذاكرة الفردية والتاريخ المشترك، لإعادة صياغة مفاهيم الهوية والإرث الإنساني عبر رؤيته الفنية وتشكيلاته الرمزية الحالمة التي تدمج بين العناصر الواقعية والأحلام، كدرب لبلورة أفكاره، ونتاج الفنتازيا التي تتناول الواقع الحياتي من منظور غير مألوف للواقع المعاش، ليتأتي التعبير بعيداً عن الرقابة التي يفرضها العقل، والغوص في أعماق اللاشعور للتنقيب عن مصدر إلهام عبر التجول في بواطن اللاوعي. فالحلم لديه ليس عالماً مستقلاً، وإنما منطقة مفتوحة لا تنفصل عن الواقع بل تحاول تفسيره وتجديده، وخلق الجديد الذي يتجاوز حدود الواقع ويعيد من خلاله تشكيل أفكاره ومشاعره، لصالح التعبير عن الأعماق النفسية للدماغ البشري بتوظيف صور غير مألوفة ورموز حلمية، كمدخل لاكتشاف الذات والواقع الأشمل، في تركيز على (التأويلات الماورائية التي تتناقض مع التفسيرات العقلانية - وإعطاء اليقين للحلم أكثر من الواقع البصري - وإزالة التمييز بين «الموضوع والذات وبين الحلم والواقع» لتجسيد الواقع المتخيل وترجمته لواقع معاش). فارتكل الفنان لمفردات واقعية تعزل من سياقها الطبيعي في واقعها البصري والمحيطي للفنان ليزج بها في مدارات أخرى حداثية ورؤى حلمية مبتكرة، فحضرت الرموز كأيقونات فنية، لتحمل الأعمال رمزية معنى خفي، وتصدير التضادية، والعناية بالتناقضات الصارخة، لإثارة الدهشة والاندهاش، ودعم فكرة انعدام الزمن وتعرية الواقع من شكله المألوف عبر التحاف بالشعور واللاشعور، لنسج عوالم ميتافيزيقية موازية لا منطقية لا يتضاد فيها الحلم مع الواقع، فالحلم هو امتداد للواقع، ومنه ينجلي الواقع المثالي الذي يدشن حقائق أخرى ومواقف جمالية تستدرج المتلقي لمحتويات دلالية ملغزة بشفرات تحتاج الجهد التفسيري. *الأستاذ بقسم التصميمات البصرية والرقمية المساعد من أعمال الفنان خليل حسن خليل الفنان د. محمد الرصيص، الفنان خليل حسن خليل من أعمال الفنان خليل حسن خليل من أعمال الفنان د. محمد الرصيص