تظل رحلة المستفيد في الحصول على معلومة أو إنجاز معاملة محفوفة بالعقبات، وأبرزها ذلك الشعور المحبط أن الموظف المكلَّف بتلقي اتصاله وخدمته لا يمتلك المعلومة الكافية والشافية. كم من الأوقات الثمينة تُبَدَّد هباءً نتيجة لتنقل المستفيد بين الأقسام، أو تكرار اتصالاته واستفساراته دون جدوى؟ هذا مؤشر على خلل هيكلي يحتاج إلى معالجة جذرية، وأحد الأسباب الجذرية لهذه المشكلة يكمن في دورة التوظيف غير المستقرة لموظفي خدمة العملاء؛ فبعد فترة وجيزة من استقطاب الكفاءات وتزويدهم بأساسيات المعرفة، غالبًا ما يشهد هذا الكادر حركة تنقلات سريعة إلى مواقع أخرى، ربما بعد ستة أشهر أو أقل، وتؤدي هذه الدوامة إلى فراغ معرفي متجدد، حيث يتم تعيين موظفين جدد يفتقرون إلى الخبرة والمعلومات اللازمة لأداء مهامهم بكفاءة. إن تزويد موظفي خدمة العملاء بالمعلومات المُحدثة والآنية يجب أن يكون بمثابة شريان حيوي يغذي عملهم اليومي، فيجب على الجهات الحكومية أن تتبنى آليات فعالة لتحديث هذه المعلومات بشكل يومي، سواء من خلال أنظمة إلكترونية متطورة أو دورات تدريبية مستمرة وموجّهة، فعندما يمتلك الموظف المعلومة الصحيحة والدقيقة في الوقت المناسب، يصبح قادرًا على خدمة المستفيد بكفاءة واقتدار، ويختصر عليه الكثير من الجهد والوقت. وفي سياق اختيار هؤلاء الموظفين الذين يمثلون الواجهة الأولى للجهات الحكومية، يبرز دور المقابلات الشخصية كأداة حاسمة، فلا يجب أن يقتصر التقييم على المؤهلات الأكاديمية والخبرات السابقة فحسب، بل يجب أن يمتد ليشمل استكشاف السمات الشخصية للمتقدمين؛ هل يمتلكون حب المبادرة الذي يدفعهم لتقديم المساعدة بفاعلية؟ هل يُظهرون شغفًا حقيقيًا لخدمة الناس والرغبة في تلبية احتياجاتهم؟ والأهم من ذلك، هل لديهم القدرة على تحمّل الضغوط التي قد تنشأ في بيئة العمل التي تتطلب التعامل مع مختلف أنواع المستفيدين واستيعاب أسئلتهم وربما لومهم؟ إن الواقع يشير إلى أن العديد من الموظفين قد لا يمتلكون الطاقة الكافية للتفاعل الإيجابي والمستمر مع المستفيدين، أو أنهم غير مؤهلين نفسيًا للتعامل بحرفية مع التجاوزات اللفظية التي قد تصدر منهم. إن اختيار الموظف القادر على استيعاب هذه التحديات والرد بطريقة مهنية سيجبر المستفيد على احترامه وتقديره، مما يعطي صورة إيجابية عن الجهة الحكومية ويعزز ثقة الجمهور بها. إن تحفيز الموظفين ماديًا ومعنويًا هو استثمار حقيقي يؤتي ثماره على المدى الطويل، وعندما يشعر الموظف بالتقدير المادي والمعنوي، يصبح أكثر ولاءً والتزامًا بعمله، وتقل رغبته في البحث عن فرص أخرى بعد فترة التدريب القصيرة، لأن خلق بيئة عمل جاذبة ومحفّزة يُسهم في استبقاء الكفاءات ويضمن استمرار تدفّق الخبرات والمعرفة داخل المؤسسة. أما النقطة الحساسة -في تقديري- التي لا يمكن تجاهلها، فهي تلك التحديات الصعبة التي يواجهها موظفو خدمة العملاء في تعاملهم المباشر مع الجمهور. للأسف، يتعرض هؤلاء الموظفون في كثير من الأحيان لسيل من الإهانات والسباب والتطاول من قبل بعض المستفيدين، وفي ظل غياب التأهيل النفسي الكافي والقدرة على امتصاص هذه الضغوط، قد يكون الرد بالمثل هو رد الفعل التلقائي، مما يحوّل ساحة الخدمة إلى حلبة من السجال والتطاول المتبادل. هذا الأمر يستدعي تحركًا عاجلًا على صعيدين متوازيين؛ أولًا، يجب تزويد موظفي خدمة العملاء ببرامج تأهيل نفسي متخصصة تمكّنهم من التعامل مع الضغوط والاحتفاظ بهدوئهم ومهنيتهم في أصعب الظروف. ثانيًا، يجب إطلاق حملات توعية إعلامية موجهة للجمهور بأهمية حسن التعامل مع هؤلاء الموظفين وتقدير الدور الذي يقومون به في خدمة المجتمع؛ لأن بناء جسور من الاحترام المتبادل هو أساس أي تفاعل ناجح ومثمر. إذا كنا نلقي باللوم على بعض موظفي خدمات العملاء، فلا نستطيع أن ننأى بأنفسنا عن دائرة اللوم، فمن حق هذا الموظف أن يشعر برضا العملاء بثنائهم عليه، وتقديرهم بالتقييم المناسب. فكثير منا عندما يسمع جملة "معك التقييم" يُبادر بإنهاء المكالمة، وهذا لا يليق، ولا يتناسب مع أخلاقنا.