ما يلفت في سياسة المملكة أنها تتحرّك بصمت مدروس، ووفْق منهجية عقلانية متأنّية، منهجية ترتكز على قيم أصيلة، مراعية فيها البُعد العربي والإسلامي، بل حتى العالمي، وهو منطق رزين، يضع المصلحة العامة للعالم فوق كل اعتبار، دون ارتهان لمصلحة ضيقة، أو كسبٍ لبريق إعلامي؛ وإنما عودة للمنطق السياسي الذي يقدّم المصلحة العامة على تجاذبات الماضي. من هنا فإن الجهود التي قادها ببراعة وحنكة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في ملف رفع العقوبات عن سوريا شكّلت لحظة تاريخية فارقة في مسار العمل العربي المشترك، فقد لفت أنظار العالم بأسره، كيف أن المملكة فعلاً هي مركز الثقل والقرار، فتحرّكت بوعي وفاعلية ورُشْد سياسي لافت، مستثمرة فيه ما تملكه من أدوات تأثير رمزية ومادية، وسلطة معنوية تستند إلى ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي. لقد أثبت سمو ولي العهد، أن رؤيته الاستراتيجية العميقة، هي من تستطيع أن تعيد تشكيل المشهد الإقليمي، لا بوصفه فاعلًا عابرًا، بل كصانع قرار حقيقي يعيد التوازن إلى علاقات العرب ببعضهم، ويمنح صوت الحكمة مساحته في محافل السياسة الدولية. وهذا ما لمسه العالم منعكساً في هذه المقاربة في الدور القيادي الذي قامت به المملكة لتهيئة الظروف لعودة سوريا إلى محيطها العربي، والسعي الحثيث لتخفيف المعاناة الإنسانية عن شعبها الشقيق. إن المشهد العالمي وهو يتخلّق مجدداً وفق منطق عقلاني يغلّب السلام والرفاه لشعوب العالم يحتاج إلى الاستفادة من مركزية الدور السعودي في ظل قائد فذ ومُلهَم، لا يفتأ يمارس القيادة الرشيدة التي تعيد لعالمنا العربي قيمته وأهميته. ولعل هذا الحراك السعودي الذي نشهده، ويقف على ثمراته العالم، خليق بالتقدير والتعضيد من جميع شعوب العالم، فهو يرسم خارطة جديدة لعالم يروم السلام والتواد، وإعادة الحياة لقيم الخير والجمال والعطاء، وإشاعة السلام ونبذ الكراهية والعنف، وبما يجعلنا جديرين بحياة كريمة لائقة تراعي ظروف العالم بكافة شرائح مجتمعه؛ إذ لا فائدة يمكن أن تُجنى من هدر المقدّرات وإزهاق الأنفس، وتبديد المواهب، والجناية على الطفولة البريئة في عالم لا يني عن توحّشه واستشراسه. إن الفلسفة السعودية الرشيدة والراسخة، تؤكد أن التأثير لا يكون بالصوت العالي، بل بالفعل الصادق المتزن، حيث تُبنى القرارات الكبرى في هدوء وتُترجم على الأرض بفاعلية. والمملكة، بفضل قيادتها، ترسّخ الاستقرار الإقليمي عبر لمّ الشمل، وإعادة ترميم البيت العربي من الداخل، واستثمار أدوات التأثير في اتجاه يخدم التنمية والسلام.