بعض المؤسسات الاستشارية الدولية تؤدي أعمالها وفق ثقافة ربما تتعارض مع أخلاقيات العمل المعروفة وقواعد الممارسات المهنية السليمة، أو حتى خلافاً لما هي تسوق له من مصداقية مزعومة ومبادئ رنانة وقيم مصطنعة، وتحيط شركات الاستشارات بيئة أعمالها الوظيفية وطبيعة إجراءاتها بسياج من السرية، وأحياناً قد تمارس دوراً غير معلن لتمرير الاجندات، وقد تكون وكراً للممارسات الفاسدة والسلوكيات التي تتعارض مع المصالح الوطنية والقيم الأخلاقية؛ فهذه الكيانات الاستشارية يتوافر لها من الإمكانيات والتسهيلات مالا يمكن حتى تصوره، كما أنها لا تتوانى عن استخدام كل ما هو ممكن واستغلال كل ما هو مستحيل وتسهيل كل ما هو صعب، أو القيام بكل ما هو غير مهني للوصول إلى أهدافها في الحصول على العقود الاستشارية الباهظة الثمن وتمرير مشاريع دراساتها «المضروبة»، ولتحقيق ذلك -قد- تقوم هذه الشركات الاستشارية مثلاً بتوظيف علاقاتها وتقديم خدماتها وإعطاء هدايا لعملائها بطرق شتى وصور مختلفة، وتسخير موظفيها وزراعتهم في المناصب الحساسة لخدمة مصالحها وأجنداتها، أو استقطاب ذوي المناصب لدى عملائها للعمل لديها وإغرائهم بمكافآت مجزية لاستغلال نفوذهم الوظيفي الواسع والاستفادة من مكانتهم الاجتماعية المرموقة في تمرير ما يحقق المصالح الخاصة لهذه الشركات من قرارات ومشاريع وعقود؛ فمن واقع تجربة لصيقة لجودة دراسات بعض هذه الشركات الاستشارية والتي يغلب عليه التركيز على إبراز نمط الإبهار والتنميق في عرض المعلومات في قوالب تقديمية، وحشو الدراسات ببيانات ورسومات ومعلومات قد تكون أحياناً غير واقعية، أو مقارنات مصطنعة ونماذج معيارية غير صحيحة، واستشهد هنا ودون اعتبار لمبادئ تضارب المصالح إلى محاولة استقطابي للعمل لدى شركة استشارات أوروبية بعد فترة انتهاء عملي كمستشار قانوني غير متفرغ في أحد الهيئات العامة، والتي تم استحداثها في وقت ماض وتعاقدت مع تلك الشركة الاستشارية لمساعدتها في صياغة استراتيجية لمساعدتها في تحقيق أهدافها التنموية التي أنشئت من أجلها، حيث كان من مهام عملي فحص دراسات وتدقيق مخرجات العمل القانوني المتعاقد عليه مع تلك الشركة الاستشارية، والذي أتضح أن جزء منه تم بناء على مقارنات وتجارب قديمة وغير حقيقية. ولهذا نقول من الضروري إعادة تقييم مرحلة تجربة عمل الشركات الاستشارية خصوصا في مرحلة الفضول كي لا نقع تحت تأثيرات إدمان مغريات شعاراتها التسويقية، والعمل على تمكين سوق الاستشارات الوطني وتعزيز قدرته التنافسية، أو على الأقل مرحليا فرض خيار الاستعانة بخدماته المساندة في العقود شركات الاستشارات العالمية، وتقييد العلاقة التعاقدية مع هذه الشركات الاستشارية العالمية بضوابط واضحة وبنود احترافية وآليات فعالة تضمن مساهمتها الحقيقية في نقل المعارف والخبرات وبناء قدرات استشارية وطنية، مع التأكيد على الاستعانة بخبراء وطنيين كفريق مناظر لمستشاري هذه الشركات لفلترة وتدقيق وتقييم نتائج عمل دراساتهم الاستشارية؛ بجانب التأكيد على إعادة تقييم الحاجة لعقود الشركات الاستشارات العالمية الباهظة الثمن، فبعض المسؤولين تحديداً ممن لديهم خلفية عمل سابقة في القطاع الخاص لديهم نوع من الإفراط في شهية الاعتماد كلية على الشركات الاستشارية حتى في الأمور البسيطة، بينما منطقيا يفترض قصر الحاجة لخدمات المؤسسات الاستشارية على المشاريع النوعية ذات الأهداف الاستراتيجية، وتقنين هذا الاحتياج وفق معايير دقيقة تحدد فيه مسبقا نوعية الخدمات ومستوى كفاءة المستشارين، ويتم كذلك تنظيم العلاقة مع هذه الكيانات الاستشارية وفق شروط وأحكام وأطار يخدم المصالح الوطنية، وبلا شك ردم أي منافذ التنصل من المسؤولية ومسألة هذه الشركات عند ظهور القصور والمحاسبة عند ثبوت الخلل.