في مسيرتي الصحفية التي امتدت قرابة أربعة عقود من الزمن هناك نماذج رائعة، ورجال أوفياء كان لهم أثر واضح وبصمة خالدة في دعم مشواري الإعلامي، وشد ازري في مرحلة التعلم والاستمرار في بلاط صاحبة الجلالة، وفق المبادئ الصحفية والمعايير المهنية وعلى رأسهم (ملك الصحافة) الراحل الأستاذ تركي العبدالله السديري -رحمه الله- الذي كان رقما صعبا في مسيرتي الإعلامية. ولا أنسى كذلك أستاذي ومعلمي (محمد الشنيفي) -رحمه الله- الذي توفي الأربعاء الماضي وكان السبب الأول -بعد الله- في دخولي ميدان الركض الصحفي في بداية علاقتي مع الصحافة عبر غاليتي (الرياض) في أوائل الثمانينات الميلادية - بحكم العلاقة الوظيفية في صندوق التنمية العقارية - وهما بالطبع لا يمكن أن يغيبا عن الوجدان والأذهان مهما توالت الأيام وهرولت الشهور وتراكمت السنين لأنهما وبكل بساطة كانت لهما أياد بيضاء وأصحاب فضل علي في مشواري مع مهنة المتاعب. ولأن الإنسان في حياته مبتلى فقد أصيب أستاذي (محمد الشنيفي) بمرض عضال قبل أكثر من ثمانية أشهر وأصبح يتلقى العلاج في المستشفى ملازما السرير الأبيض في غرفة العناية وكانت زيارتي الأخيرة له -رحمه الله- قبل وفاته بيومين وكان في وضع صحي صعب لا يعلم ألمه إلا الله. عرف عن الإعلامي الرصين محمد الشنيفي حبه للصحافة منذ أن كان شابا يافعا يكتب مقالاته الصحفية (كقارئ) وهاو، وزاد تولعه أكثر عندما دلف بوابة العمل الصحفي بصورة أكبر من خلال جريدة (الرياض) بدعم من رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ تركي السديري -رحمه الله-، الذي تنبأ منذ الوهلة الأولى التي شاهد فيها هذا الشاب وهو ممتلئ بالحماس والرغبة الأكيدة لتعلم المهارات الصحفية بمدرسة تركي السديري الإعلامية في أواخر التسعينات الهجرية. وبالفعل اكتسب من هذه المدرسة المستقلة الطرح الموضوعي والجدية والمهنية العالية وكان -رحمه الله- صاحب مفردة ثرية وكلمة عميقة تلامس نبض المجتمع الرياضي كما تميز برؤيته الشمولية والتحليل البديع في تناول القضايا الرياضية وكان بالفعل أيقونة في صناعة رأي عام مستنير، يكتب بهموم وطنية وبفكر متزن ملتزما بالقيم والمبادئ المهنية وكانت مقالاته ذات صدى لدى القيادة الرياضية إلى جانب ما يتخللها من حوارات مع شخصيات رياضية وبعض اللاعبين آنذاك في عصر الصحافة الورقية الجميل. الزميل الراحل (الشنيفي) وبعد سنوات من العمل الصحفي اتجه إلى منصة (X) وتجاوز متابعوه 24 ألفا بفضل حسابه المميز بالنقد الرياضي الهادف والرأي العقلاني المنبثق من خلاصة تجارب إعلامي عريق، وناقد محنك كان يطرحه في تغريداته وتعليقاته على الأحداث الرياضية. وقبل عام تقريبا توقف صاحب القيم والقيمة والمقامة (أبو طلال) قسرا عن التغريد عقب اشتداد المرض عليه -رحمه الله- وأغلق هاتفه نتيجة ما مر به من ظروف صحية ومعاناة مرضية، وكانت آخر تغريدة نشرها في حسابه قبل سبعة أشهر: (اللهم شفاء لا يغادر سقما.. اللهم هون على عظامي ضغط الأورام.. اللهم اشفني فلا شفاء إلا شفاؤك ولا دواء إلا دواؤك.. يا أرحم الراحمين). وأتذكر قبل دخوله للعناية كنت متواصلا معه هاتفيا عن طريق نجله الأكبر طلال وما أثلج صدري وسر خاطري عندما تحدثت معه قبل أن يدلف مرحلة صعبة بالعناية وهو يعيش في قمة إيمانه بقضاء الله وقدره والروح المعنوية العالية، ما أدخل السرور إلى وجداني مستمداً هذا الشعور -رحمه الله- من قوة الإيمان وصلابة الإرادة والصبر والاحتساب وهو يردد عبارة (الحمد لله) الإنسان دائماً مبتلى وأنا (والكلام لأبي طلال) أشكر الله -عز وجل- على ما أنا فيه. يا لها من مشاعر عظيمة نابعة من عمق الإيمان وروح الصبر والعزيمة القوية في مثل تلك المحن والنوازل. عزائي لأبناء الفقيد الغالي: طلال والمقدم رائد وسلمان وراكان ووالدتهم وشقيقتهم وأسرته الكريمة. سائلا المولى -عز وجل- أن يجعل ما أصابه من مرض وآلم تكفيراً وتمحيصاً للذنوب والخطايا ورفعة لدرجاته وأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.