خلال بدايات الدراسة بكلية إدارة الأعمال في جامعة نوتنجهام، عرض أحد المحاضرين -علينا طلبة البحث العلمي- فيلمًا وثائقيا يتناول مشكلة الأزمة المالية العالمية التي وقعت في عام 2008. كان من التفاصيل المثيرة كيف أن الأعمال والتجارة كانتا آخذتين في النمو والازدهار حول العالم وقتها، لكن حصلت مجموعة من الأخطاء أدت إلى هذه الأزمة الكبرى. واختتم الفيلم بأن اللوم الأكبر يقع على عاتق كليات إدارة الأعمال في مختلف الجامعات، وذلك لأن المعارف والعلوم في هذه الكليات لم تساعد في تفادي الأزمة أو حتى الحد من آثارها التي أفلست مجموعة من كبريات الشركات والبنوك في مختلف الدول. بعدها دخلنا في نقاش عن سبب تحمل كليات الأعمال هذه الملامة، وخلصنا إلى مجموعة من الأسباب، كان من أهمها أن هذه الكليات ركزت بشكل كبير على الجوانب النظرية في مناهجها الدراسية، وبالتالي كانت في شبه معزل عما يحصل في العالم الحقيقي الذي تغيرت ممارساته في مجال الأعمال كثيرا وتطورت أساليبه في مزاولة التجارة على مر السنين. ومن هنا، كان أهم توجيه قبل الانطلاق في رحلة البحث العلمي لمرحلة الدكتوراه هو العودة إلى التطبيق وتقصّي ماذا تفعل الشركات والمنظمات الناجحة في عالم الإدارة والأعمال. وجمع البيانات التطبيقية منهم باستخدام الوسائل البحثية المناسبة، ومن ثم بناء النظريات العلمية الجديدة اعتمادا على نتيجة تحليل هذه البيانات وذلك ضمن قواعد البحث العلمي الراسخة. وبهذا يتم ردم الفجوة بين التنظير والتطبيق، وتصبح الدراسات النظرية أقرب ما تكون إلى الواقع العملي. أخيرًا، لست أنسى في المناقشة النهائية، كيف حاول الممتحن الخارجي اختبار ثقتي في بحثي العلمي عندما سألني عن سبب تركيزي على الجوانب التطبيقية فيه، إذ بدأت اجابتي مع ابتسامة واثقة: «بسبب الأزمة المالية العالمية!»