يُعد التأمين الطبي إحدى الركائز الأساسية التي تعزز الاستقرار الصحي والاجتماعي في حياة الأفراد والمجتمعات، بل ويمكن القول إنه من أبرز أشكال الحماية التي تقدمها الدول والمؤسسات للأفراد، في مواجهة تقلبات الحياة الصحية وتكاليف العلاج الباهظة التي قد ترهق كاهل الإنسان في أي لحظة غير متوقعة. ومع تعقيدات الحياة الحديثة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، لم يعد وجود التأمين الطبي ترفًا بل أصبح ضرورة ملحة لضمان تلقي العلاج المناسب دون الوقوع في أزمات مالية. من الجوانب الإنسانية التي يعكسها التأمين الطبي أنه يمنح الإنسان الطمأنينة وراحة البال، فالمؤمّن عليه يدرك أنه في حال تعرضه لأي ظرف صحي، سيكون هناك نظام متكامل يتكفل بتقديم الرعاية اللازمة، دون أن يُترك وحيدًا في مواجهة التكاليف الباهظة للمستشفيات أو العيادات أو العمليات الجراحية، التي قد تكون في بعض الأحيان فوق قدرته المالية. وهذا الشعور بالأمان له أثر إيجابي مباشر على الصحة النفسية للفرد، فحين يزول القلق بشأن "كيف سأعالج؟" و"من أين سأدفع؟"، تتحسن نوعية الحياة بشكل عام. التأمين الطبي لا يخدم الفرد فحسب، بل ينعكس أثره على الأسرة والمجتمع والاقتصاد الوطني، فحين يحظى الموظف أو العامل أو حتى الطالب بتغطية تأمينية شاملة، يصبح أكثر إنتاجية وارتياحًا، وتقل نسبة الغياب الناتجة عن الأمراض أو القلق الصحي، ويصبح بالإمكان اكتشاف الحالات المرضية في بداياتها من خلال الفحوصات الدورية التي تشملها بعض برامج التأمين. وهذا بدوره يخفف الضغط على القطاع الصحي العام، ويقلل من الإنفاق الطارئ على الحالات المتأخرة أو المزمنة التي لم تُعالج في الوقت المناسب. على صعيد آخر، يسهم التأمين الطبي في تعزيز ثقافة الوقاية بدلاً من الانتظار حتى حدوث المرض، فالعديد من برامج التأمين توفر استشارات طبية وفحوصًا وقائية ومتابعة للحالة الصحية بشكل دوري، وهو ما يجعل الأفراد أكثر وعيًا بصحتهم، ويقلل من معدل انتشار الأمراض الخطيرة التي تنشأ في كثير من الأحيان نتيجة الإهمال أو الجهل أو عدم القدرة المالية على الفحص المبكر. كما أن التأمين الطبي يلعب دورًا محوريًا في تحقيق العدالة الاجتماعية، فهو يضمن حصول مختلف الفئات بغض النظر عن دخلها أو مركزها على رعاية صحية لائقة. وفي المجتمعات المتقدمة يُنظر إلى التأمين الطبي كحق أساسي لكل مواطن، لا يقل أهمية عن الحق في التعليم أو السكن أو الأمن، لأنه ببساطة يتعلق بالحياة نفسها، بالحفاظ على الكرامة الإنسانية، وبمنح الجميع فرصًا متساوية في العلاج والتعافي. وتتجلى أهمية التأمين الطبي بشكل أكبر خلال الكوارث أو الأزمات الصحية الكبرى مثل الجائحات أو الحوادث الجماعية، إذ يصبح وجود شبكة تأمينية قوية عاملًا حاسمًا في سرعة الاستجابة، وتوفير الموارد، وتنظيم الدخول إلى المستشفيات، وتخفيف الأعباء عن الجهات الحكومية، وقد رأينا كيف أسهمت الأنظمة التأمينية الفعالة في بعض الدول خلال جائحة كورونا في حماية الأرواح، وضمان استمرار العلاج رغم الضغط الكبير على المستشفيات. من جهة أخرى، لا يمكن إغفال الأثر الاقتصادي الإيجابي للتأمين الطبي، فهو أحد العوامل التي تجذب الكفاءات إلى سوق العمل، وتعزز من استقرار بيئة العمل، إذ إن الموظف الذي يشعر بالأمان الصحي يكون أكثر ولاءً لجهة عمله، وأقل ميلاً للانتقال أو التغيير، كما أن المؤسسات التي توفر تأمينًا طبيًا لموظفيها تحظى بصورة ذهنية أفضل لدى الجمهور، ختامًا، فإن أهمية التأمين الطبي تتجاوز كونه مجرد وثيقة أو خدمة تُشترى، إلى كونه فلسفة إنسانية واقتصادية واجتماعية متكاملة، تهدف إلى بناء مجتمع معافى، متماسك، قادر على مواجهة التحديات الصحية بقوة ووعي، دون أن يدفع أفراده أثمانًا باهظة من صحتهم أو مدخراتهم، لذا فإن الاستثمار في التأمين الطبي هو استثمار في الإنسان، وفي المستقبل، وفي الأمن الشامل الذي تنشده كل أمة طموحة. * رئيس اللجنة الوطنية الخاصة للمجمعات الطبية، رئيس مجلس الأعمال السعودي - التونسي