تشهد المملكة العربية السعودية تقدمًا ملحوظًا نحو تعزيز حضورها في الجانب العلمي ولا سيما في مجال الفضاء، وذلك في إطار الرؤية الثاقبة -رؤية 2030م- التي تهدف إلى دعم البحث والابتكار العلمي، كونه يعد أحد العناصر الأساسية في تحقيق أهدافها واستراتيجياتها؛ لتحقيق تنمية مستدامة تواكب التطورات السريعة في المجال التكنلوجي والعلمي. رؤية داعمة حيث ترتكز رؤية 2030 إلى بناء مجتمع حيوي ووطن طموح، واقتصاد مزدهر من توفير بيئات عمل داعمة، وفي الاستثمار في قطاع التعليم، حيث تعد مشروعات الفضاء من المشروعات الرائدة في توسيع آفاق المعرفة على الصعيدين التقني والعلمي، كما تمثل وكالة الفضاء السعودية وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار حجرًا أساسيًا لتحقيق تلك الطموحات عن طريق دعم الأبحاث العلمية في الفضاء، وفي تنمية القدرات الوطنية المختلفة، وفي بناء بيئة تسهم في التشجيع على الابتكار، وفي دعم الاستثمارات في مجالات علوم الفضاء واستكشافها، بالإضافة إلى ذلك في جانب تعزيز التعاون الدولي مع الجهات الحكومية والجامعات التعليمية في مجال الابتكار، حيث أُقيمت مناقشة مع شركة دولية لتعزيز الشراكة في مجالات الابتكار والتقنيات المتقدمة، كما قد أسهمت السعودية في تعزيز تعاونها مع الولاياتالمتحدة الأميركية في مجال الفضاء، وذلك من خلال اتفاقية تعاون استراتيجي في مجال استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، حيث تسعى تلك الاتفاقية إلى زيادة الاستثمارات المشتركة، وفي تأسيس إطار قانوني يسعى إلى يسهل التعاون بين البلدين بما يتيح الاستفادة من تبادل الخبرات والمعرفة وفي تطوير برامج مشتركة. وعلى صعيد ذي صلة، تسعى المملكة لدعم ريادتها في مجال الفضاء من خلال إطلاق البرامج والمبادرات؛ لتوفير الفرص لكلٍ من الباحثين والباحثات لدعمهم في مجال تعزيز البحث والتطوير والابتكار في قطاع الفضاء السعودي. اهتمام مُنذ القدم لا يعد الاهتمام بالفضاء الخارجي في السعودية أمرًا حديثًا، فلا يغيب عن أذهاننا رحلة الأمير سلطان بن سلمان -حفظه الله- في عام 1985م الذي يوافق 1405ه، الذي أصبح بتلك الرحلة أول رائد فضاء سعودي، وأول رائد فضاء عربي مسلم، ومنها ألهم الشباب السعودي بأن جميع أحلامهم قابلة لتحقيق، حتى لو كانت رحلة إلى خارج كوكب الأرض، كما أن في عام 1970م أجريت رحلة أبُلُّو الفضائية الحادية عشرة التي قد وضع فيها العلم السعودي على سطح القمر، متماشيًا مع التطورات في استكشاف الفضاء الخارجي، حيث إن في عام 1390ه استقبل الملك فيصل آل سعود -رحمه الله- السفير الأميركي لدى المملكة، وسُلم له العلم السعودي الذي وضع على سطح القمر، مع قطع صغيرة من صخور القمر. فرصة في الاستكشاف تأسست وكالة الفضاء السعودية في بداية الأمر تحت اسم «الهيئة السعودية للفضاء»، وذلك بموجب المرسوم الملكي رقم (أ/ 147) وذلك بتاريخ 20/ 4/ 1440 ه، حيث طرأت عليها بعض التغيرات والتطورات، حيث تم إضافة الطابع الرسمي على التحول بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 821 في يوم 24/ 11/ 1444، مما مكن الوكالة لتكون محركًا رئيسًا في جانب الابتكار وتبني التقنيات الحديثة والفرص المتطورة في قطاع الفضاء المدني، حيث تعمل الوكالة تحت إشراف وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وتركز الوكالة جهودها في رفع مكانه المملكة لتكون مركزًا رائد في مجال علوم وتكنلوجيا الفضاء على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما يسهم في تعزيز التطور التكنلوجي في مجال الصناعات الفضائية والأبحاث والتطوير والابتكار. ومن الجانب ذاته، فتعد الوكالة واحدة من أبرز الجهات الداعمة لبناء بنية تحتية متطورة خاصة في قطاع الفضاء، حيث قد أطلقت وكالة الفضاء السعودية برنامج المملكة لرواد الفضاء، وهو برنامج يسعى إلى لتأهيل فرق سعودية متمرسة للقيام برحلات إلى الفضاء الخارجي قصيرة وطويلة المدى، كما يركز البرنامج على إعداد المشاركين لتنفيذ تجارب بحثية دولية لتفتح آفاقًا عالية في مختلف العلوم والمشاركة الفعالة في الأنشطة والمهام بعيدة المدى المتعلقة بالفضاء، بالإضافة إلى أنه يهدف للاستفادة من الفرص المتاحة التي يقدمها مجال الفضاء وصناعاته عالميًا، والمشاركة الفعالة في الأبحاث التي تعود بالنفع لخدمة البشرية ككل، وذلك في عدة مجالات مثل في العلم الصحي -صحة الإنسان-، وفي العلوم الفيزيائية، علم الأحياء، الصيدلة الحيوية، علم التقنية الحيوية، علوم الأرض، وفي التصنيع في الفضاء، بالإضافة إلى ذلك فإن البرنامج يعمل على تطوير التقنيات الداعمة لقدرة العمل على مهمات علمية استكشافية مستقبلية نحو القمر وكوكب المريخ. حيث أُعدت عدد من التجارب العلمية في مهمة SSA-HSF1، سعيًا لتأهيل الكوادر على أعلى مستوى لتحقيق الأهداف الوطنية للفضاء، وللتمكن من التخطيط والعمل على تنفيذ الأبحاث العلمية على نحو مستقل في بيئة الجاذبية الصغرى، وبيئة الفضاء بصورة عامة، فتأتي إحدى أبرز التجارب العلمية في تلك المهمة تجربة قياس المؤشرات الحيوية عن طريق الدم، التي تهدف إلى دراسة تغيرات المؤشرات الحيوية في الدم التي توضح حقيقة أمان الرحلات الفضائية على صحة الدماغ والجهاز العصبي، وتجربة التغير في طول التيلومير أو ما يعرف ب «القسيم الطرفي»، التي تسعى تلك التجربة إلى دراسة تأثير الرحلات الفضائية قصيرة المدى، والتجربة العلمية في قياس الحدقة لقياس الضغط داخل الجمجمة، حيث تركز التجربة على استخدام جهاز آلي يساعد في قياس الحدقة في مهمة الفضاء قصير المدى بهدف رصد أي تغيرات في الضغط داخل الجمجمة، حيث يساعد هذا القياس في معرفة المتلازمة العصبية العينية المرتبطة بالرحلات الفضائية (SANS)، وتجربة قياس قطر غلاف العصب البصري، التي تهدف إلى قياس قطر غلاف العصب البصري لدى رواد الفضاء، وذلك خلال مهمة فضائية قصيرة المدى، بالإضافة إلى تجربة الإرواء الدماغي وتغيرات وضع الدماغ في بيئة الجاذبية الصغرى، حيث تركز هذه التجربة على استخدام تقنية التنظير الطيفي للأشعة القريبة من تحت الحمراء كوسيلة غير جراحية، بهدف قياس الإرواء الدماغي، وتعديلات التي تطرأ على وضع الدماغ، وذلك في الجاذبية الصغرى. ولم يقف دور وجهود الوكالة عند جانب محدد، بل تعدت ذلك بكثير ليصل دعمها لشباب المستقبل من خلال توظيف برامج ومسابقات تدعم في مجال الفضاء مثل إقامة مسابقة «الفضاء مداك» بالشراكة مع مؤسسة محمد بن سلمان مسك، ومركز علمي للاكتشاف العلوم والابتكار، التي تصل جوائزها إلى 500،000 ريال سعودي، وذلك على مستوى العالم العربي، حيث وصل عدد المشاركين فيها إلى أكثر من 75 ألف طالب، كما تهدف المسابقة إلى تنمية مهارات أشكال التفكير الناقد والتحليلي، وذلك بواسطة تقديم تجارب علمية تهدف لدراسة تأثير بيئة الجاذبية الصغرى على نمو النبات وتصل أهداف المسابقة إلى تعزيز وتنمية المهارات والقدرات لدى طلاب العالم العربي ككل، وبالإضافة إلى تشجيعهم على استكشاف غرائب الفضاء، وايضاً في تمكين مهارات التفكير الناقد لديهم، وتنمية قدرتهم في حل المشكلات عن طريق تصميم تجارب علمية متاحة ليتم تنفيذها في بيئة الجاذبية الصغرى، فالمملكة تعمل بخطوات واثقة في مجال العلوم واستكشاف الفضاء الخارجي، لتعزيز مكانتها بين الدول الرائدة في هذا المجال.