مطار الملك سلمان يوقّع مذكرة تفاهم مع هيئة السياحة    سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعا بدعم من القطاعات الكبرى    القيادة تعزي رئيسة جمهورية سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    أمير تبوك يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    "دله البركة" تعلن توسعات نوعية في منظومة خدمات الحج والعمرة بإضافة 400 حافلة جديدة وتجديد كامل لفندق "دله طيبة"    مجلس الوزراء: الموافقة على نظام حماية المؤشرات الجغرافية    الهيئة السعودية للتخصصات الصحية تعتمد برنامج جراحة الفم والوجه والفكين في تجمع تبوك الصحي    بيان في الشباب بشأن أزمة الحارس بوشان وقرار الفيفا    المشهد السياسي العراقي في ضوء الانتخابات البرلمانية الجديدة    المنتخب السعودي على مشارف التأهل في مونديال الناشئين    أمانة الشرقية تحصد المركز الأول في فئة أفضل مشروع اجتماعي    أمير الشرقية يكرم مدارس المنطقة بدرع التميز والاعتماد المدرسي    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بولندا بذكرى إعلان الجمهورية لبلاده    مجموعة شركات SAMI تحصد ثلاث جوائز للتميز في توطين الصناعات العسكرية    ب "رؤية ما لا يُرى".. مستشفى الملك عبدالله ببيشة يُفعّل اليوم العالمي للأشعة    أنت أيضا تحتاج إلى تحديث    الفقد والادعاء.. حين يساء فهم معنى القوة    قصيدة اليقين    هجوم روسي بمسيرات يوقع قتيلا شرق أوكرانيا    لماذا دخل الشرع البيت الأبيض من الباب الجانبي؟لأنها زيارة خاصة لا رسمية    سعر برميل النفط ينخفض إلى 63.93 دولار    تعليم الطائف يعقد الاجتماع الأول للجنة الشراكات والاتفاقات    «الشورى» يدعو مركز المناطق الاقتصادية في الرياض لاستكمال البناء المؤسسي والخطة الإستراتيجية    «التواصل الحضاري» ينظّم ملتقى التسامح    95 مليون ريال لصيانة ونظافة وتشغيل 1400 مسجد وجامع في المملكة    ضبط 21647 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    استبعاد تمبكتي من معسكر الأخضر.. واستدعاء الشهراني وكادش    تعاون سعودي- إماراتي لمكافحة جرائم الفساد    الذكاء الصناعي سلاح ذو حدين    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء الخميس    تحت رعاية ولي العهد.. تنظيم المؤتمر العدلي الدولي الثاني بالرياض    وسط ضغوط على المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. الاحتلال يمنع خروج المحاصرين في أنفاق رفح    لجان الكرة وقرارات غائبة أو متأخرة    شلوتربيك أولوية لبرشلونة في يناير    يوثق التحولات التاريخية والحضارية للمشاعر.. «الدارة» تطلق ملتقى تاريخ الحج والحرمين    وعكة صحية تدخل محمد صبحي المستشفى    1.7 مليون دولار تعويضاً على تنمر النظارات    النصر يتصدر بالمحلي    يتباهون بما لا يملكون    تقديراً لجهودها في إبراز خدمات المملكة لضيوف الرحمن.. نائب أمير مكة يكرم وزارة الإعلام بمؤتمر الحج    علامات تكشف مقاطع الفيديو المولدة بال AI    أمريكي يبحر 95 كيلومتراً داخل يقطينة    ممرض ألماني يخدر المرضى ليهنأ بليلة هادئة    موانع حمل للرجال (1)!!؟    الأخضر تحت 19 عاماً يدشن تدريباته في معسكر الأحساء استعداداً لكأس آسيا    خديعة القيمة المعنوية    أزمة الأطباء الإداريين    "مسام" ينزع (1.044) لغمًا من الأراضي اليمنية خلال أسبوع    البنيان يرعى «التعليم المنافس» في «الملك سعود»    «الرياض الصحي»: البحث العلمي شريكٌ محوري في التحول الصحي    رئيس جامعة جازان يطلق منصة "ركز" للاستثمار المعرفي    القصيم: فرع الشؤون الإسلامية يُتعامل مع 1169 بلاغًا خلال الربع الثالث    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"المزاج الثقافي".. في شهر الخير
نشر في الرياض يوم 05 - 03 - 2025

مع إطلالة هلال رمضان، تبدأ دورة جديدة من الزمن، حيث لا تتغير فقط عادات الطعام والنوم، بل يتغير المزاج الثقافي والفكري، ويأخذ الأدب منحى أكثر روحانيةً وتأملاً. إنه شهرٌ تتجدد فيه القيم، وتزدهر فيه المجالس الأدبية، وتعود فيه الروح إلى حوارها العميق مع ذاتها ومع النصوص الخالدة التي صاغتها العقول على مر العصور.
في رمضان، يصبح الصمت أكثر عمقاً، والكلمات أكثر تأثيراً، وكأن اللغة نفسها تخضع لروحانية الشهر، فتصبح أكثر نقاءً، وأقرب إلى القلب. تتغير أنماط القراءة والكتابة، وتمتلئ الصحف والمجلات بالمقالات التي تتناول قضايا الفكر والهوية، بينما يجد الشعراء في هذا الشهر مصدر إلهامٍ لا ينضب.
لطالما كان رمضان موسماً للتأمل والتجديد، ليس فقط على المستوى الديني، بل على المستوى الفكري أيضا. فمنذ القدم، كان هذا الشهر مرتبطاً بالمجالس الأدبية التي يجتمع فيها المفكرون والشعراء لتبادل الأفكار والنقاش حول الفلسفة والتاريخ والدين والأدب.
ولأن رمضان هو شهر الصيام عن الطعام، فهو أيضاً شهر الامتلاء بالمعرفة، حيث يزداد الإقبال على الكتب، وتُطرح الأسئلة العميقة حول معاني الحياة، وتتجدد الروابط بين الإنسان والثقافة. في هذا الشهر، تعود الكتب القديمة إلى الواجهة، ويُعاد اكتشاف النصوص التي بقيت على الرفوف طوال العام.
وإذا كان الشعر انعكاساً لحالة الإنسان، فمن الطبيعي أن يتأثر برمضان، حيث يصبح أكثر صفاءً، وأكثر ميلاً إلى التأمل الروحي والفلسفي. فالشعراء في هذا الشهر لا يكتفون بوصف الأجواء الرمضانية، بل ينفذون إلى جوهر التجربة، ويترجمون مشاعر الإنسان وهو في أوج خلوته مع ذاته.
وفي شعر الصوفية، نجد أن رمضان هو زمن الابتعاد عن الدنيا، والاقتراب من جوهر الروح، حيث يقول أحد الشعراء:
"رمضانُ.. يا سرَّ الحنينِ لِلُقيا... والروحُ تهفو للسماءِ.. وترقى"
من أبرز الشعراء السعوديين الذين كتبوا عن رمضان: "عبد الله الفيصل" حيث كتب عن الجوانب الروحانية لرمضان، وصور العزلة التأملية التي يعيشها الصائم، مستلهماً من تجربة الشهر الفضيل رؤيةً فلسفية للحياة. "غازي القصيبي" الذي تناول رمضان في مقالاته وأشعاره، وصوّره كفرصةٍ للتأمل والتجديد، واعتبره لحظةً زمنيةً يعيد فيها الإنسان النظر إلى ذاته وعلاقاته، وأيضاً "محمد الثبيتي" أحد رموز الشعر الحديث في السعودية، الذي عبّر عن التجربة الروحية لرمضان بأسلوبٍ يتمازج فيه التراث مع الحداثة، فكتب قصائد تحاكي الطابع الصوفي للشهر الكريم.
ولم يكن الأدب الرمضاني محصوراً في الشعر، بل كان للنثر دورٌ مهمٌ في التعبير عن خصوصية هذا الشهر. ففي المقالات الأدبية، يظهر رمضان كتجربةٍ فلسفيةٍ أكثر منه زمناً للصيام، حيث يكتب الأدباء عن التأملات التي يتيحها الهدوء الليلي، وعن المشاعر التي تفيض بها العزلة الرمضانية.
يقول أحد الكتّاب في وصف ليالي رمضان: "في هذا الشهر، يصبح الليل أكثر وضوحاً من النهار، وكأن العتمة لا تخفي شيئًا، بل تكشف عمق الذات. هنا، في السكون الرمضاني، يصبح الإنسان أكثر صدقًا مع نفسه، ويعيد ترتيب أفكاره كما لو كان يرتب مكتبًا غارقًا في الفوضى".
وفي نص آخر، يُكتب عن العلاقة بين الصيام والكتابة: "الصيام ليس امتناعاً عن الطعام فقط، بل هو أيضا تدريبٌ على ضبط النفس، وتصفية الذهن، ولهذا فإن الكتابة في رمضان تصبح أكثر صفاءً، وأكثر قدرةً على لمس الحقيقة دون زيف".
ومن الكتّاب السعوديين الذين كتبوا عن رمضان "عبده خال" في رواياته الاجتماعية، وصف رمضان كفترةٍ تتحول فيها العلاقات الاجتماعية، وتعيد الأسر تنظيم حياتها وفق إيقاعٍ مختلف. "تركي الحمد" حيث ناقش في مقالاته أبعاد رمضان الفكرية والثقافية، وكيف يشكل فرصةً للتجديد الثقافي والاجتماعي. "عبد العزيز مشري" في أعماله الأدبية، وصف ليالي رمضان في القرى السعودية القديمة، متحدثًا عن بساطة الحياة وروح الجماعة التي كانت تميز الشهر الفضيل.
ويعتبر رمضان شهر القراءة والتدبر، فالعقل الصائم يبحث عن غذائه كما يبحث الجسد عن الإفطار. وفي هذا الشهر، يجد الكثيرون الفرصة للعودة إلى الكتب التي أهملوها، فيفتحون صفحات الروايات التي لم يكملوها، أو يعيدون قراءة القصائد التي حفرت أثرًا في وجدانهم.
ومن اللافت أن النصوص التي تُقرأ في رمضان تحمل طابعًا مختلفاً، حيث يزداد الإقبال على كتب الفكر والتصوف والتاريخ، كما لو أن العقل، مثل الجسد، يحتاج إلى غذاءٍ أكثر نقاءً.
وفي مجال الرواية، هناك نوعٌ خاصٌ من السرد يبدو أكثر تألقاً في رمضان، حيث تُكتب القصص التي تتناول الأبعاد الروحية للحياة، وتُسرد الحكايات التي تحمل في طياتها معاني التأمل والتغيير.
ومن أقدم العادات الثقافية المرتبطة برمضان، كانت المجالس الأدبية التي يجتمع فيها الشعراء والمفكرون والكتّاب للنقاش حول الأدب والفكر والتاريخ. هذه المجالس لم تكن مجرد تجمعاتٍ عابرة، بل كانت بمثابة مختبرٍ فكريٍّ تُطرح فيه الأسئلة العميقة، وتُقرأ فيه القصائد، وتُناقش فيه الكتب. وفي الزمن الحديث، استمر هذا التقليد، لكنه اتخذ أشكالاً جديدة، حيث أصبحت المنتديات الأدبية والمنصات الرقمية فضاءً للنقاش الثقافي، وأصبح الأدب الرمضاني حاضراً في المقالات الإلكترونية والحوارات الأدبية الافتراضية.
وفي الختام.. رمضان ليس مجرد شهرٍ ديني، بل هو أيضاً لحظةٌ ثقافيةٌ تتكرر كل عام، لكنها لا تفقد بريقها. إنه الزمن الذي يصبح فيه الأدب أكثر نقاءً، واللغة أكثر شفافية، والإنسان أكثر قربًا من ذاته، إنه الزمن الذي يُعيد تشكيل الروح، كما يعيد تشكيل الأدب، فتظل لياليه مضيئةً بالكلمات، كما تظل مضيئةً بالنجوم.
عبدالله الفيصل
عبده خال
محمد الثبيتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.