وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفياً بوزير خارجية تركيا    «سلمان للإغاثة» يوزّع (465) سلة غذائية في ولاية هرات بأفغانستان    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    روح السعودية شريك رسمي لكأس السوبر السعودي في هونغ كونغ    تير شتيغن: الأشهر القليلة الماضية كانت صعبة للغاية علي جسدياً ونفسياً    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 .. ختام ربع نهائي بطولة Rainbow Six Siege X    مواهب الذكاء الصناعي تضع المملكة ضمن أفضل 20 دولة    النصر يتحرك لضم جناح منتخب فرنسا    البرازيل «تستنكر» ضغوط أميركا على القاضي المكلف بقضية بولسونارو    حرس الحدود يقبض على (13) يمنيا في جازان لتهريبهم (320) كجم "قات"    الرئيس اللبناني يؤكد ضرورة إعادة ربط لبنان بدور إقليمي فاعل    رونالدو: الدوري السعودي تنافسي للغاية    البرلمان العربي يستنكر قرار كنيست كيان الاحتلال بإعادة احتلال غزة ويدعو لتحرك دولي عاجل    تحديد موقف حسن كادش من التواجد في كأس السوبر    رونالدو يُعدد ميزات جواو فيليكس    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    المصالح الوطنية السعودية    "ورث" يختتم برنامجًا لتأهيل كوادر وطنية في توثيق التراث    النفط يتكبد خسارة أسبوعية حادة    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    %83 من القراء هجروا المجلات    ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في "محمية الإمام تركي الملكية"    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    «المساحة الجيولوجية»: رصد زلزال في الإمارات بقوة 3.4 درجات    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    جمعية التوفيق للأيتام تنظم حفل تعارف للأيتام    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    قوى و مساند تحققان نتائج متقدمة في مؤشر نضج التجربة الرقمية لعام 2025    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    احتفال الفرا وعمران    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    أم ومعلمة تقتحمان مدرسة لسرقة «امتحانات»    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبستمولوجيا الفن والأثر المرسوم والمحتوى الفكري الإنساني

وصف "هنري برجسون" الفن بأنه عين فاحصة كإدراك مباشر يتيح للفنان القدرة على النفاذ لباطن الحياة، وإزاحة النقاب عن الحقيقة خلف ضرورات الحياة العلمية، ليصبح الفن حيلة لتأمل المحيط والتحرر من الواقعية المسطحة، لصالح إبداع مستقل ذي وجود جمالي فاعل يعبر عن الحقائق الجوهرية للأشياء أو المصورات المدركة فنياً، وتمثيل قيم عميقة تتخطى حدود الشكل والصورة، بهدف التجسيد الحقيقي للفكرة، والعبقرية الفاعلة للتمثيل بشكل ملموس، ومصور لما يتحرك في الروح الإنسانية، وسعى للتحرر من هيمنة الواقع والطبيعي والسطحي.
حيث تنبثق أهمية "الأبستمولوجيا" كنهج لتبرير المعتقد، وأسباب وجود تلك الحقائق والدراية بطرق تكوين المفاهيم وتحولها وكيفية تبادلها ومهارات المعرفة الإجرائية أي حقائق المعارف الافتراضية (معرفة المعرفة) ودراسة الأحكام والقواعد التي يعاد بمقتضاها تنظيم تلك المفاهيم والمعارف وارتباطها بالترميزات. وتتفرع المعارف (للمعرفة البديهية) وتشمل الحدس والإيمان والمعتقد والمشاعر الإنسانية التي تلعب دور رئيس في بناء المعرفة البديهية، (والمعرفة المنطقية) لبناء معارف مستحدثة من تطبيق التفكير المنطقي، (والمعرفة التجريبية) التي تنبثق من الحقائق الموضوعية التي تم إنشاؤها.
و"ابستمي" أي المعارف والعلوم، "لوغوس" أي النظرية والدراسات المنهجية والسببية، فتصبح "الأبستمولوجيا"هي نظرية المعارف أو فلسفة العلوم، واستخدام ذلك لتلمس نتائج جديدة، عبر الاستناد لأسس فلسفية وعمليات التحليل والقراءة والاستدلال والاستقراء ومنهجيات مؤسسة للاعتماد على العقل والمنطق كمصدر للمعارف والخبرات والتجارب الشخصية والديالكتيك المنبثق من التفاعلية بين الأفكار المتنوعة، وأنثربولوجي الثقافات والعادات، بهدف الولوج للحقيقة والمعنى والمعرفة التي هي غاية كل الرحلات الفكرية وركيزة من دعائم الوجود الإنساني للارتقاء بأسلوبية الحياة.
لتتعاظم ترابطية العلاقة بين (المعرفة والواقع) و(الواقع والعقل البشري) و(البحث والسياقات البيئية والثقافية التي تشحذ المعارف)، وتشكيل كيفية بناء التجربة الفنية من منظور معرفي، وتوضيح طبيعة الفن كوسيلة للتواصل الفكري والعاطفي، وطرق إدراك الفن، والتفسير الفني للعلاقة بين الفن والجمال والمعنى والتفسير وطبيعة الخبرة الجمالية، للنفاذ لصفاء الشكل وحبكة التكوين وتطهير الأشكال من خصائصها العضوية والطبيعية، والتجرد من التفاصيل الزائدة، للإمساك بالنقائية وجوهر الحقائق لبلورة مدركات بصرية تتغذى من أحاسيس وخبرات الفنان لتدشين منظومات ذات مستوى أدبي شعري.
الظاهر والضمني والمحتوى الفكري الإنساني لدى "أحمد طلاع":
ومن خلال نظرة عميقة شمولية (لا ينطلق الفن من المواقف واللحظات العابرة العارضة)، فالفن هو التجسيد الجميل للشيء، وليس تقمصاً للطبيعة وتغنياً بها بل ذاتية تحركها إرادة التسامي، لذا لا تستمد الجمالية من الطبيعة، وإنما من ذات الفنان الخلاقة وتفكيره، ليصبح الفن وسيلة وحيلة لتأمل المحيط والتحرر من الواقعية المسطحة، لصالح إبداع مستقل ذي وجود جمالي فاعل يعبر عن الحقائق الجوهرية للأشياء أو المصورات المدركة فنياً، وتمثيل قيم عميقة تتخطى حدود الشكل والصورة الظاهرين.
ففي جاليري "مرسمي للفنون" بالرياض، استعرض مشروع الفنان "أحمد طلاع" سحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وتعبيرية مصيرية حتمية تنبع بصدق من نفسية الفنان وذاتيته بعد أن ينسجها إلهامه وخبراته السابقة وبحثه العلمي والفني في قوالب فلسفية رصينة تعززها أشكاله التعبيرية الفصيحة، ومساحة بصرية تفاعلية وكأنها تمتلك أبعاداً حقيقة ملموسة، تجعل من العمل إطاراً تسجيلياً لمسحة تعبيرية تصب في تجسيد انفعالات وإيماءات عديدة، ولحظات الاستغراق في التفكير والاختلاء بالذات وتجسيد براثن المعاناة وقساوة المواقف، لاجتذاب وجدانية المتلقي وإشراك حسه الشعوري والعنصر البصري له.
وبقدرة مكينة لاقتحام التشكيل المعاصر بأسلوب حديث، استدعى الفنان في أطروحاته، توليفة تصويرية داخل إطارات من التباينات التعبيرية الكاسية (للوجوه المتماهية) والدرجات الرمادية (الترابية) التي صهرت تلك الوجوه داخل طقس فضائي يدفع الأشكال أحياناً ويجاورها، ويبتلعها ويسيطر عليها أحياناً أخرى، في دينامية سمعية بصرية تفصح عن تمكن الفنان من عباراته البصرية، بما يخصب دائرة العمق التأملي للوجوه الآدمية، وتوسيع ممرات تدفق الأفكار، وتعضيد وجود الوجوه الآدمية داخل فراغاته المصاغة بحس جليل، وتقنيات احترافية لضمان زراعة العناصر داخل مجال مغناطيسي، مندمجة مع خطوط تشهيرية تلقائية تعبيرية، تجعل العمل ينبض بالحياة.
وعبر قدرة الفنان وتمكنه من استيعاب تعاليم الحداثة المتوازية مع تأصيل الهوية، جاءت الشخوص معزولة فرادي، تعبر عن حالاتها النفسية والتي دعمتها متغيرات وتحولات جذرية في الهيئة البنائية والجمالية والفلسفية للعمل وممارساته الإبداعية، وتقنيات الفنان وخبراته في إحكام المساحة التصويرية، وإعلاء الأجواء الدرامية لتوظيف الفاتح والداكن وتوزيع الخرائط اللونية الباردة والساخنة وقوة الألوان وطاقاتها التعبيرية، والتركيز على لغة التباينات التي يصنعها تجاور الدرجات والخطوط مع المساحات والكتل الرمادية والملونة، وتنظيم الرحلة البصرية للعين داخل العمل وفضاءاته الميثولوجية وامتلاك مقومات السيطرة على الأدوات، والقدرة على سرد التفاصيل التي تبرز الشكل الخالص.
فجمالية البناء الشكلي لديه ضرورة لمنح الحضور ودعم الرسائل والمضمون وتوكيد المعاني بما يشحذ البناءات المعرفية المتشكلة في أفق الاستقبال والإدراك عند المتلقي وطرق استنباطهم للمرمى المعرفي والأيدولوجي المقصود، ليتحولوا من سكونية التلقي للمشاركة والاندماجية في دينامية العمل، ارتباطاً ببنى فوقية أيدولوجية وبنى جمالية، وسياقات ساحرة تنبري منها عناصر الفنان. لذا عمد "أحمد طلاع" لتسطير أفكار حيوية للفراغ، فجاءت خلفيات عناصره ذات درجات رمادية والأصفر المائل للأوكر، كدرجات لونية حالمة فاتحة هادئة تنشر السحر والأثيرية والأسطورية، وتدعم احتفاء الجانب الروحي الأسطوري، خلال توزيع درجات اللون بحكمة في سيمفونية رقيقة داخل إطار الأشكال وخارجه، وتسجيل الأثر المباغت الذي ينجم عن الرؤية وتسجيل الانفعال، وتشكيل مناخ تسكنه الحقائق التعبيرية الشكلانية، لتنمو فيه شحنات العمل والتعبير النابض لتعزيز الفعل الحركي والتعبيري الانفعالي للمساحات والكتل اللونية العاطفية، والخطوط اللينة التي تعبر عن التجسيم والحركة والعمق، لتصدير الانفعالات التي تختلج بذات الفنان (كالترقب والتأهب والخوف والقلق والحزن) كمشاعر إنسانية مقروءة وغامضة أحياناً.
*الأستاذ بقسم الفنون البصرية والرقمية المساعد
من أعمال أحمد طلاع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.