الحلم يسبق موعده    المملكة تدين الغارة الإسرائيلية على محيط القصر الرئاسي السوري    العطية يتوّج بلقب رالي السعودية والراشد يحصد المركز الثالث    فيرمينيو يُتوّج بجائزة أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا للنخبة    رئيس الاتحاد الآسيوي يُهنئ الأهلي ويشيد بنجاح المملكة في استضافة الحدث القاري    سفير الوطن بطلاً لنخبة آسيا    فيرمينو ومندي يحصدان الأفضلية    ضبط 17153 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل    انتبهوا    "سالم الدوسري" يحصل على جائزة هداف نخبة آسيا    الإبادة لا تتوقف.. 28 شهيدًا في قصف «إسرائيلي» على غزة    رئيس «الشورى» يرأس وفد المملكة في «البرلماني العربي»    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات الأمنية في القصيم    بيانات اقتصادية مختلطة تعقد موقف الدولار مع تقلب الأسواق وانخفاض النفط    فعاليات "الحرف اليدوية" تحافظ على الهوية الثقافية للمملكة    مركز الملك فيصل يعزز مقتنياته من نوادر المخطوطات والكتب النادرة    مكتبة الملك فهد تستضيف مصطفى الفقي    نائب أمير الشرقية يرعى حفل التخرج بجامعة الملك فيصل    انطلاق مؤتمر السلامة والصحة المهنية غدا    مبادرة طريق مكة تجمع (رفيقي الدرب) بمطار حضرة شاه الدولي بدكا    زئبق سام وعصابات بمشاريع تنقيب ذهب الأمازون    حسابات دون كلمات مرور    المناعة مرتبطة باضطرابات العقل    فوائد غير متوقعة للرياضة على مرضى السرطان    مكة المكرمة الأعلى هطولا للأمطار ب17.6 ملم    حرس الحدود يطلق وطن بلا مخالف في جازان    النقل تباشر أعمالها استعدادا للحج في أكثر من 20 موقعا    أبو سراح يكرم داعمي أجاويد 3 بظهران الجنوب    "الهيئة السعودية للسياحة" توقع مذكرة تفاهم لتقديم عروض وتجارب نوعية للزوار    "الغذاء والدواء" تُسخّر التقنيات الحديثة لرفع كفاءة أعمال التفتيش والرقابة في الحج    إحباط تهريب (176) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في عسير    الهلال يبدأ حقبة ما بعد جيسوس    أنشيلوتي يُعلق بشأن مستقبله بين ريال مدريد والبرازيل    أوبك+: زيادة الإنتاج ب411 ألف برميل يوميا في يونيو    شجر الأراك في جازان.. فوائد طبية ومنافع اقتصادية جمة    مجتمع تيك توك: بين الإبداع السريع والتمزق العميق    نجاح عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم ضخم في كلية مسن ببريدة    الملحقيات الثقافية بين الواقع والمأمول    «اليدان المُصَلّيتان».. يا أبي !    اللغة تبكي قتلاها    مركز التحكيم الرياضي السعودي يستقبل طلاب القانون بجامعة الأمير سلطان    سجن بفرنسا يطلق عن طريق الخطأ سراح نزيل مدان بسبب تشابه الأسماء    جمعية خويد تختتم برنامج "محترف" بحفل نوعي يحتفي بالفنون الأدائية ويعزز الانتماء الثقافي    أمين الطائف يطلق برنامج الأمانة لموسم الحج الموسمية    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    ذخيرة الإنسان الأخيرة" يخطف الأضواء في الطائف    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالعزيز البابطين.. وزارة ثقافة في كيان إنسان

لقد أحسن القائمون على الندوة التكريمية للفقيد العزيز عبدالعزيز سعود البابطين حين عَنْوَنوها «عبدالعزيز البابطين رمز العطاء الثقافي والإنساني» فهذا الرجلُ أفنى حياتَه كلَّها لرفع رايةِ الثقافةِ والأدبِ والشِّعرِ وتعزيزِ قيمةِ اللغة العربية.
في هذا المقال الذي تحفُّه أجنحةُ الثقافةِ، ويُفيضُ عليه الأدبُ فُيوضاتِ الجمالِ والإبداع، يحوم حولي طيف الشّيخِ عبدالعزيز البابطين بابتسامتِه الودودةِ ووجهِه السّمحِ مبتهجًا وهو يسمعُ مِن وراء سُجُفِ الغيبِ ألسنةَ الحاضرينَ تُردِّدُ:
لا تخْشَ ضيعةَ ما تركتَ لنا سُدًى ...
فالوارثونَ لما تَركْتَ كثيرُ
فيطمئنُّ أنَّ ما نذَرَ له عمُرَه حبّا بالعربيةِ وعشقًا للشِّعرِ مستمرٌ بفضل المحبين وهمْ كُثُر. فما كان الإخلاصُ بَذرتَه والشّغفُ تُربتَه والحبّ سُقياه سينبتُ وتتفتّحُ أوراقُه وتنضجُ ثمارُه بإذن الله.
ربطتني بالعزيزِ الراحلِ صداقةٌ بُنِيت على التقديرِ المتبادلِ، وجمعتنا لقاءاتٌ عدّة في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، وقد أسهمَ الشيخُ عبدالعزيز عن طريقِ مؤسسته في تقليدي الميداليةَ الذهبيةَ الشرفيةَ للشعرِ بمدينة فيرونا الإيطالية في اليومِ العالمي للشعر، كما تشرفتُ السنةَ الماضيةَ بالحصولِ على جائزة المؤسسةِ التكريميةِ وهي كما تعلمون جائزةٌ لا تخضع للتحكيمِ بل تعتمدُ آليةً خاصةً يشرف عليها رئيسُ المؤسسةِ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين بنفسِه.
لقد كان الشيخ عبدالعزيز البابطين وزارةً للثقافة لوحدِه، بل فاقت جهودُه وزاراتٍ تقف وراءَها دولٌ وتُسخَّرُ لها إمكاناتٌ ولكنها تفتقدُ رؤيتَه وتنقصُها عزيمتُه، وقد علّمَنا التّاريخُ أنّ الرجلَ يكونُ أحيانا بألفٍ وأحيانا أخرى بأمّةٍ كاملةٍ، وهكذا كان الشيخ عبدالعزيز البابطين. تعدَّدَتْ أياديهِ وتنوّعَتْ خدماتُه للغةِ القرآنِ وآدابِها:
ليسَ على الله بمُسْتَنْكَرٍ ...
أنْ يجمعَ العالَمَ في واحِدِ
بنى للشّعراءِ دولةً وصنع لهم مجدًا وأعاد لهم اعتبارًا كادوا أن يفقدونَه بعد أن تتالتِ الضّرباتُ على جسدِ القصيدةِ الأصيلةِ. كما أعاد الشيخ مجدَ الشعرِ وفكّرَ في هذا باكرا فمنذ خمسٍ وثلاثين سنةً أسّسَ «مؤسسةَ عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية» التي أَطلقتْ إحدى أشهرِ الجوائزِ الشعريةِ في العالم العربي، والتي عرَّفَتْ بمواهبَ مغمورةٍ وكرّمَتْ تجاربَ مشهورةٍ، ولأنَّ ما كان الإخلاصُ رائدَه ينمو فتحتِ المؤسسةُ فروعًا في دولٍ كثيرةٍ من العالَم كلُّها تشير بيد الامتنان إلى الشخص الذي كان وراء هذا وبذلَ من مالِه ووقتِه وتفكيرِه ليتحوّلَ الحلُمُ واقعًا والأملُ حقيقةً.
ولم يركنِ الشيخ عبدالعزيز إلى نجاحِ الجائزةِ واكتسابِها مصداقيةً بل أطلق مشروعَ معاجمِ الشعراءِ من رئيسهِم وحاملِ لوائِهم امرئ القيس إلى المعاصرينَ وكمْ من شاعرٍ مغمورٍ انبعثَ كالعَنقاءِ من رُكام الجرائدِ القديمةِ والكتبِ العتيقةِ ليستوي مُبْدِعًا سَوِيًّا يُجالس أربابَ المعاني في ديوانيّةِ «معجمِ البابطين لشعراء العربية». وهو جهدٌ ليس بالقليلِ ولكنْ:
لا يعرِفُ الوَجْدَ إلَّا مَن يُكابِدُهُ ...
ولا الصَّبابةَ إلَّا مَن يُعانيها
واهتمامُ الشيخ عبد العزيز البابطين لم يقتصرْ على إرساءِ دعائمِ دولةِ الشعراء فقط، بل كان ينظرُ بعينِ الرّائي إلى المستقبلِ ويعلمُ يقينًا أنّ الأممَ لا تقوم إلّا على أساسٍ منَ العلمِ متينٍ، فأنشأ قبل خمسينَ سنةً بتمامِها أي في سنة 1974 بعثةَ سعود البابطين الكويتية للدّراسات العليا، ولم يقصِرْها على أبناء بلدِه الكويت الحبيبةِ وهو حقٌّ مشروعٌ فالأقربونَ أولى بالمعروف، بل سقى غيثُها بلدانًا عربيةً وإسلاميةً كثيرةً وتخرّجَ بفضل الله وفضلِ تلك المنَحِ آلافٌ منَ الطلبةِ يلهجونَ اليومَ بما أتاحَه لهم الشيخ عبدالعزيز من سُبُلِ المعرفةِ وتلك لعَمْري هي المصداقُ العملي لقولِ نبيِّنا الحبيب (ص): «إِذَا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وقد جمع الشيخ عبدالعزيز بفعلِه هذا الثلاثةَ في واحدٍ فهي صدقةٌ جاريةٌ وعلمٌ نافعٌ وهم أولادُه أنجبتْهُم رحِمُ الأدبِ.
ولعلَّ الشيخَ عبدالعزيز البابطين ظَلَمَ شاعريّتَه وهو يحتفي بشِعرِ الآخرينَ، فمن يقرأ دواوينَه الثلاثةَ المطبوعةَ «بوح البوادي»، و«مسافر في القفار»، و«أغنيات الفيافي» يُعْجَب ويَعْجَب لتجربةٍ شعريّةٍ لها فرادتُها ومفرداتُها اتّخذتْ منَ الباديةِ موطنًا ومِن قِيَمِها دليلًا. عسى الآنَ وقد أفضى الشيخُ الشاعرُ إلى ربّهِ واكتملتْ تجربتُه أن يُضاءَ عليها كما هي جديرةٌ به والبركةُ في جيلِ النُّقادِ الذين كان لهم أيضًا داعمًا.
قصةُ الشيخِ عبدالعزيز هي ببساطةٍ حكايةُ المالِ حين يكونَ في خدمةِ الثقافةِ، وكلُّ ما نسمعُه عن التنميةِ الثقافيةِ المستدامةِ والاقتصادِ الثقافي نجدُ مفاعيلَه التطبيقيةَ فيما أنجزه الشيخ عبدالعزيز، فكم مِن رجلِ أعمالٍ انطوى ذِكْرُه بمجرّدِ أنْ وُوري الترابَ في حين يبقى ذكرُ الشيخِ مستمرًا بغرسِه الذي كان وللهِ المثلُ الأعلى «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ» ولعلَّ ما قام به الشيخُ عبدُالعزيزِ يُحفِّزُ الميسورينَ على الاستثمارِ في قطاعِ الثقافةِ والأدبِ وفي ذلكَ فليتنافسِ المتنافسونَ.
رحم الله الشيخَ عبدالعزيز سعود البابطين كفاءَ ما قدّمَ للشّعراءِ والطلَبَةِ والمثقفينَ، وشدَّ الله على يدَيْ شقيقه الأكبر وراعي موهبته عاشق المخطوطات والنوادر الشيخ عبد اللطيف ومن معَه من إخوانه وأسرتهم الكريمة.
إن قيلَ مَن للشِّعرِ يَرفَعُ مَجدَهُ ...
ويُشيدُ ما يَنهَدُّ مِن أركانِهِ
نَظَرَ القَصِيدُ إليكَ نظرةَ عاشِقٍ ...
وأشارَ نحوَكَ باسِمًا ببَنانِهِ
*وزير الثقافة والإعلام الأسبق
ورقة مقدمة من د. عبدالعزيز خوجة في ندوة خاصة بالراحل عبدالعزيز البابطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.