الأزمات المالية المتتابعة رفعت حجم الدين العالمي، وحالة عدم اليقين بتحسن الاقتصاد تثير المخاوف من حدوث أزمة مالية جديدة ففي الاقتصادات المتقدمة، بلغ الدين العام مستويات غير مسبوقة، وفي الأسواق الصاعدة تراكمت الديون إلى مستويات عالية جدا، وهناك 40 % من البلدان منخفضة الدخل بلغت مرحلة المديونية الحرجة ومعها قد تصل إلى مرحلة التخلف عن سداد خدمة الدين العام، المملكة - ولله الحمد - مرت من تلك الأزمات بأقل الأضرار وحسب بيانات الميزانية السعودية 2024 احتلت المملكة مرتبة متقدمة من بين مجموعة دول العشرين من حيث الأقل في نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، ورغم أن الحكومة تستطيع خفض مستوى الدين إلا أنها رأت أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى إنفاق رأسمالي كبير من أجل دعم مشاريع الرؤية والمعول عليها بنقل الاقتصاد السعودي إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة والتقليل من تأثير تقلبات أسعار النفط التي طالما شكلت هاجسا لصناع القرار وتسببت في تأخر تنفيذ الاستراتيجيات الاقتصادية، ولذلك تعتقد الحكومة السعودية أن زيادة الإنفاق من شأنه زيادة معدلات نمو الناتج المحلي وخصوصا الناتج المحلي غير النفطي، وبالتالي فإن الضخ المالي العالي عائده على الاقتصاد السعودي يفوق بكثير تكاليف الاقتراض وهو ما تحقق فعليا خلال السنوات الماضية، كما أن استدامة وصول المملكة إلى أسواق الدين يحافظ على منحنى العائد الطبيعي، ما يساعد المستثمرون على اتخاذ قرارات أكثر دقة، ويعطيهم القدرة على تحليل الاستثمارات، كما أنه يوفر معلومات لوكالات التصنيف الائتماني من أجل تحديد تصنيف ائتماني مستحق، انضمام الصكوك الحكومية للمملكة المقومة بالريال إلى المؤشر العالمي الخاص بالسندات السيادية لأسواق الدول الناشئة سيشكل ما نسبته 2.75 % من المؤشر، وهذا يدعم استيعاب شريحة أكبر من المستثمرين. اقتصاد المملكة ينمو رغم المتغيرات الاقتصادية حول العالم والأحداث الجيوسياسية ما زالت تشكل تحديا للاقتصاد العالمي، الحرب في أوكرانيا أكملت عامين ولا بوادر بانتهائها في المدى القريب، ومستقبل الطاقة والإمدادات تحت تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وتكاليف النقل البحري ارتفعت بشكل كبير وسلاسل الإمداد تأثرت والضغوط التضخمية سوف تستمر في الضغط على البنوك المركزية، والتفاؤل بخفض أسعار الفائدة بدءا من هذا العام قد يتغير، تلك المخاطر أعد لها المركز الوطني للدين خطة جيدة أخذت في الحسبان عند إعداد استراتيجية الدين العام وموازنة قرارات التمويل مع خمسة اعتبارات للمخاطر وهي: السيولة، وإعادة التمويل، وأسعار الفائدة، وأسعار الصرف، والتصنيف الائتماني، كما يعمل المركز الوطني للدين مع البنك المركزي على ضمان عمق سوق الدين المحلي بما يكفي لاستيعاب أحجام الإصدارات واستقرار أوضاع السيولة في السوق المحلي، وتوقع تقرير صادر عن إدارة الدين أن يرتفع حجم الدين في عام 2024 إلى حوالي 1.115 مليار ريال ما يمثل نسبة 26.2 % من الناتج المحلي الإجمالي وعند مقارنتها مع عام 2020 نجد أن حجم الدين 854 مليار ريال ولكنه يمثل حوالي 32.5 % من الناتج المحلي وهو ما يبرر توجه الحكومة إلى زيادة الدين الذي يفضي إلى زيادة في الناتج المحلي، كما بلغ متوسط تكلفة الدين نسبة 3.62 % في نهاية عام 2023 وهو أقل بكثير من تكلفة الدين الحالية وهذا مؤشر على نجاح المملكة في أخذ إجراءات استباقية بالحصول على ديون منخفضة التكلفة وبفائدة ثابتة تشكل حوالي 88 % من حجم الدين وبذلك استطاعت تقليل مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، أما وقد بدأت تلوح في الأفق مؤشرات خفض أسعار الفائدة فإن الفائدة المتغيرة قد تكون خيارا جيدا للاقتراض هذا العام. التصنيف الائتماني للديون السيادية مهم لأي دولة والمحافظة عليه أو رفعه هو إحدى أولويات الحكومة من أجل خفض تكاليف الاقتراض على الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة والشركات، ورغم ارتفاع الدين العام خلال السنوات الماضية إلا أن شركات التصنيف الائتماني رفعت درجة تصنيفها للمملكة، في أبريل 2023 رفعت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للمملكة إلى A + مع نظرة مستقبلية مستقرة، كما أكدت وكالة موديز التصنيف الائتماني للمملكة عند 1A مع تعديل النظرة المستقبلية إلى إيجابية في مارس 2023 كما أكدت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني للمملكة عند A مع نظرة مستقبلية مستقرة في سبتمبر 2023.