الاتفاق يواصل تحضيراته وديمبيلي يقترب من العودة    قدم الدانة تعزز صفوفها بتعاقدات جديدة وسط دعم السفارة السعودية    أمير جازان يُقلّد مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة رتبته الجديدة    85 مليار ريال أرباح ⁧‫أرامكو‬⁩ خلال الربع الثاني    إنفاذ يشرف على 77 مزادا لبيع 667 أصلا    مستشفى د. سليمان فقيه بجدة يحصد اعتماد 14 مركز تميّز طبي من SRC    دورة "مهارات العمل التطوعي" تُثري الحضور في مركز التنمية الاجتماعية بحائل    ارتفاع مؤشرات الأسواق الآسيوية بعد ارتفاع "وول ستريت"    تقنيات الذكاء الاصطناعي ترصد الزلازل بالمملكة    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة يشعل حرائق في روستوف    أغسطس.. شهر المناعة العالمي لحماية الأجيال    ريم الجوفي تقدم ورشة التمييز بين المعلومة والمعرفة في عالم رقمي    أمير القصيم يزور محافظة المذنب ويؤكد تطورها التنموي وتنوع الفرص الاستثمارية    الشؤون الإسلامية تواصل تنفيذ برنامجها التدريبي المتخصص لمنسوبي المساجد والمراقبين في جازان    إطلاق نظام الملف الطبي الإلكتروني الموحد "أركس إير"    إيران تحذر من عواقب تفعيل آلية الزناد    3 سيناريوهات إسرائيلية أخطرها الاجتياح الشامل لقطاع غزة    الدعم السريع منح مخيم لاجئين إلى مرتزقة    يقام في سبتمبر المقبل.. النصر والأهلي يواجهان القادسية والعلا في كأس السوبر للسيدات    أصدقاء البيئة تستثمر طاقات الطلاب بمبادرة بيئية لحماية غابات المانغروف    مكالمات الاحتيال المستمرة    خلافات تعرقل جلسة برلمان ليبيا في بنغازي    رحب بالجهود الأمريكية للتسوية في أوكرانيا.. الكرملين يحذر من التصعيد النووي    أم تخفي طفلتها بحقيبة سفر تحت حافلة    تغيير التخصص الجامعي وآثاره السلبية والإيجابية    حفلات زفاف بفرنسا تستقبل الضيوف بمقابل    بعد تصاعد التوترات بين قسد وقوات حكومية.. واشنطن تدعو للحوار في منبج والسويداء    بعد الانكسار    خطوة يومية!    «إثراء» يختتم البرنامج الصيفي ب 5 أفلام قصيرة    المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025 ينطلق غدًا في الرياض    البريد يصدر طابعًا تذكاريًا لأمير مكة تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية    الدقيسي    مشيداً بخطط الاستثمار والنهج الاستباقي.. صندوق النقد يؤكد قوة السعودية في مواجهة التحديات الاقتصادية    ضمن كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. Team Falcons يمنح السعودية أول ألقابها    ابن نافل أتعب من بعده.. وإساءات نجيب    تنفيذ مبادرة "غرس الشتلات" في منتزه قرضة بفيفا    "سلمان للإغاثة" يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحة العامة في محافظة عدن    الدرعية تحتفي ب"ترحال".. قصة وطن تُروى على المسرح    الحراثة التقليدية    إصدار معماري يوثق تطور المسجد النبوي عبر العصور    السعودية تحقق أول ألقابها في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    كلنا مع الأخضر    سفير سريلانكا: المملكة تؤدي دورًا عظيمًا في تعزيز قيم التسامح وخدمة الإسلام عالميًا    ولي العهد ورئيس الوزراء الكويتي يستعرضان العلاقات التاريخية وأوجه التعاون    السعودية تتصدر أسواق الخليج في استقطاب الاستثمار الأجنبي    51.9 مليار ريال زيادة سنوية بإيرادات قطاع التشييد والعقارات    روائح غريبة تنذر بورم دماغي    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي أحد المسارحة    أمير الشرقية: تسخير التقنية وتجويد الخدمات يعكسان توجه الدولة لرفع كفاءة العمل الحكومي    أمير تبوك يبارك حصول مجمع مباسم الطبي على شهادة "سباهي"    911 يستقبل 93 ألف مكالمة في يوم واحد    وكيل إمارة جازان يرأس اجتماع الاستعدادات للاحتفال باليوم الوطني ال 95    ندوة تاريخية تكشف أسرار تحصينات المدينة المنورة    لا تدع أخلاق الناس السيئة تفسد أخلاقك    جبال المدينة.. أسرار الأرض    «هلال مكة» يفعل مسارات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشاعر المقدسة في الحج.. الرؤية والتجسيد
نشر في الرياض يوم 22 - 06 - 2023

الحج فريضة تؤدى مرة في العمر وهي من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل.. والحج المبرور أفضل الجهاد
الرحلة الإيمانية تمر بمراحل ووقفات اقتداء بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام
مسجد نمرة في عرفة يتسع لأكثر من 350 ألف مصلٍ وتزيد مساحته على 27 ألف متر وبلغت تكاليف عمارته نحو 337 مليون ريال
عند النزول بمكة والقدوم إلى الحرم الشريف المبارك تنبهر أنظارنا برؤية منظر يمس شغاف قلب كل مسلم ويتوق إليه وهو منظر الكعبة الشريفة، بداية رحلة تأمل طويلة ومراجعة النفس ومحاسبة الذات والتقرب إلى الله تكتمل بالسعي بين الصفا والمروة، ثم الاتجاه لشرب ماء زمزم؛ فكما يقول ابن جبير في وصف رحلته في الحج إلى مكة المكرمة: «فألفينا الكعبة الحرام عروساً مجلوّة مزفوفة إلى جنة الرضوان محفوفة بوفود الرحمن، فطفنا طواف القدوم، ثم صلينا بالمقام الكريم، ودخلنا قبّة زمزم وشربنا من مائها، وهو لِما شُرب له، كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم سعينا بين الصفا والمروة، ثم حلَقْنا وأحللْنا. فالحمد لله الذي كرّمنا بالوفادة عليه وجعلنا ممن انتهت الدعوة الإبراهيمية إليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.».
الشعائر الدينية التي تجسدها عبادات التقرب من الله عز وجل تشكل معالم البشر المختلفين، وتجعلهم يلتقون في بقعة طاهرة من الأرض في وصف مهيب يأتون من كل فج عميق، ويلعب الإنسان دورًا مركزيًا في أدائها.
الرؤية في التجربة الدينية لأداء مناسك الحج، وتفعيل الحواس الكاملة من أجل فهم أفضل للدين وتحقيق مقاصده بالتوجه للبيت العتيق وبلوغ المرام بالعودة بلا ذنب كيوم ولدتنا أمهاتنا كما قال في ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
هذه الجنة أعدت للمتقين، وهم الذين لقَوْا ربهم وهم مطهرون من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتُهم، كما يكون من الحج الذي ورد فيه قوله عليه الصلاة والسلام: «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمُّه» أي نقِياً مطهراً من الذنوب، كأنه ولد تلك الساعة.
وقال تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكُةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَينَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران 97،96. وفريضة الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور، فعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ، وَأَنَّ محمداً رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحَجّ، وصَوْم رَمَضان»، رواه البخاري. وقد فرض مرة واحدة في العمر على كل مسلم ومسلمة، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَقَالَ رَجُلٌ: فِي كُلّ عَامِ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، حَتَّى أَعَادَهُ ثَلاثاً فَقَالَ: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالشَّيْءِ فَخُذُوا بِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ»، سنن النسائي. فهذا الركن العظيم؛ فرضه الله -تبارك وتعالى- في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح من أقوال العلماء، قال تعالى: ( وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران: 97، وقد افترضه الله -تبارك وتعالى- على المسلم العاقل، البالغ المستطيع في العمر مرة واحدة، وهو من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة في فضائل الحج، نذكر منها ما تيسر، فمنها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله الله عنه قال: «سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله. ثم ماذا؟ قال: حجّ مَبْرُورُ». وروى البخاري ومسلم عن عائشة بنت طلحة «عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نُجَاهِدُ؟ قال: لكُنَّ أَفضلُ الجِهَادِ حَجّ مبرور».
والحج هذا الركن العظيم، هجرة إلى الله تعالى؛ استجابة لدعوته الكريمة:(وَأَذَن فِي النَّاسِ بِالحَج يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُل فج عميق) الحج: 370، وموسماً دورياً، يلتقي فيه المسلمون كل عام على أصفى العلاقات وأنقاها؛ ليشهدوا منافع لهم في أكرم، بقعة، وأطهر أرض، وأقدس مكان -شرفه الله تعالى-.
المسجد الحرام
التعريف: الكعبة المشرفة، وصحنها والمسجد المحيط بها، وصحن المسجد التابع له، ولا يدخل في المسجد الحرام مكة المكرمة ولا مساجدها، وكلما كانت الصلاة، أو الطواف أقرب للكعبة، كان الأجر أكثر، ولا يصح الطواف خارج المسجد الحرام.
الإحرام
الإحرام لغة المنع، وأحرم الرجل: دخل في الشهر الحرام، وأحرم بالحج والعمرة فهو محرم، سمي بذلك لأنه يحرم عليه ما كان حلالاً من قبل، كالصيد، والنساء. والإحرام شرعاً: هو نية الدخول في نسك الحج، أو العمرة.
الركن
أحد أجزاء الحقيقة، وهو في الحج أو العمرة: ما يفوت بفواته الحج أو العمرة، كالنية، والطواف والسعي، والوقوف بعرفة بالنسبة للحج، فمن ترك ركناً لم يصح حجه، أو عمرته إلا أن يستدركه في وقته.
المحظورات
أحد الأعمال في الحج والعمرة التي يجب تركها، ويؤجر تاركها، ويأثم فاعلها (إلا إذا كان ناسياً). وبعض هذه المحظورات كالطيب وتغطية الرأس إن فعلها نسياناً، فليس فيه فدية، ولكن إن فعلها عمداً، أو اضطراراً ففيه فدية.
السنة أو المستحب
أعمال في الحج والعمرة، من أداها فله أجر، ومن تركها فلا إثم عليه، ولا فدية، ولا كفارة.
الفدية
الفدية والفدى، والفداء، بكسر الفاء في الجميع، كله بمعنى واحد وهو ما يُقدِّم من مال، ونحوه، مقابل أمر ما. وفدية الأذى في الاصطلاح الشرعي: ما يُقدم الله تعالى جزاء ارتكاب بعض محظورات الإحرام كلبس المخيط، ومس الطيب، ونحو ذلك.
الكفارة
فعل ما يكفر الذنب، أو يجبر النقص، وتكون بذبح بدنة، أو بقرة، أو شاة، أو ما يقوم مقامه من طعام، أو صيام
أيام التشريق
ثلاثة أيام بعد يوم النحر، ويصح بالنسبة للمبيت بمنى أن يتعجل، ويكتفي بيومين منها، ويكره فيها الصيام.
الطواف
الطواف لغة: الدوران حول الشيء، ومنه سُميّ «الطائف» لمن يدور حول البيت حافظاً له، والطواف شرعاً: الدوران حول الكعبة سبعة أشواط متتالية، من غير فاصل يُعتد به.
السعي
وفي اصطلاح الشرع: قطع المسافة بين الصفا والمروة سبع مرات ذهاباً وإياباً، بعد طواف في نسك حجّ او عمرة.
الهدي
ذبيحة الأنعام البقر، والإبل والغنم، واحده: هدية، وهدية.
الدم
ذبح ما تصح به الأضحية من الأنعام بسبب النسك، أو العيد.
المبيت
المكوث في مزدلفة، أو منى، بما يعادل منتصف الليل، ولا يشترط النوم، أو الاستلقاء، بل يكفي الوجود فيها.
الحج الأكبر
هو يوم النحر، وفيه قوله تعالى:(وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَج الْأَكْبَرِ) (التوبة)، وإِنما قيل «الحج الأكبر» وقيل: سمي بذلك؛ لكثرة الأعمال فيه.
يوم التروية
هو يوم الثامن من ذي الحجة؛ سُمي بذلك لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء تزوداً للخروج لمنى وعرفة، وهو اليوم الذي يخرج فيه الحجيج لمنى للمبيت فيها.
يوم القرُ
القر: مأخوذ من القرار، وهو المستقر من الأرض، ويوم القرّ هو اليوم التالي ليوم النحر، وهو الحادي عشر من ذي الحجة، سمي بذلك؛ لأن الحجيج يقرون فيه: أي يسكنون ويقيمون بمنى؛ لاستكمال الرمي.
(عرفات)
قال تعالى:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِندَ الْمَشْعَرَ الْحَرَام وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُمْ من قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) البقرة: 198، روى الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن الثوري عن بكير بن عطاء عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحج عرفات. ثلاثاً - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك، وأيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه، ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس، وقال: «لتأخذوا عني مناسككم» وقال في هذا الحديث: «فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك»، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي -رحمهم الله-، وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة، واحتجوا بحديث الشعبي عن عروة بن مضرس بن حارثة بن لام الطائي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً، أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه» رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي، ثم قيل: إنما سميت عرفات لما رواه عبدالرزاق: أخبرني ابن جريج، قال: قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب: بعث الله جبريل أعلام إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فحجَّ به، حتى إذا أتى عرفة قال: عرفتُ، وكان قد أتاها مرة قبل ذلك، فلذلك سميت عرفة. وقال ابن المبارك عن عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطاء، قال: إنما سُمِّيت عرفة؛ لأن جبريل كان يري إبراهيم المناسك، فيقول: عرفتُ عرفت، فسميت عرفات. وروي نحوه عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي مجلز، فالله أعلم. وتسمى عرفات المشعر الحرام والمشعر الأقصى، وإلال على وزن هلال، ويقال للجبل في وسطها: جبل الرحمة، قال أبو طالب في قصيدته المشهورة
وبالمشعر الأقصى إذا قصدوا له
إلال إلى تلك الشراج القوابل.
قال ابن عباس: حدّ عرفة من الجبل المشرف على بطن عُرنة إلى جبالها إلى قصر آل مالك، ووادي عرفة. وقال البشاري: عرفة قرية فيها مزارع، وخُضَرٌ ومطابخ، وبها دور حسنة لأهل مكة ينزلونها يوم عرفة والموقف منها على صيحة عند جبل متلاطىء، وبها سقايات، وحياض، وعلم، قد بني يقف عنده الإمام؛ وقد نسب إلى عرفة من الرواة زنفل بن شداد العرفي لأنه كان يسكنها، يروي عن ابن أبي مليكة، وروى عنه أبو الحجاج والنصر بن طاهر.
يجتمع الحجاج في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة في عرفات، ويصلون الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم، ويبقون هناك إلى غروب الشمس، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» رواه الترمذي والنسائي.
تقع عرفات خارج حدود الحرم، حيث تبعد عن مكة 21 كيلو متراً تقريباً، وهي أحد حدود الحرم من الجهة الشرقية، وإجمالي مساحتها 10،4 كم، وقد وضعت الآن علامات تبين حدودها، فيجب على الحاج أن ينتبه لها حتى لا يقف فيما ليس بموقف فيفوت الحج.
مسجد عرفة «نمرة»
بفتح النون، وكسر الميم وسكونها من أهم المعالم في مشعر عرفات، وبه يصلي عشرات الآلاف من ضيوف الرحمن صلاتي الظهر والعصر في يوم عرفة جمعاً وقصراً اقتداءً بالرسول صلى عليه وسلم، ويستمع فيه الحجيج إلى خطبة عرفات، وبني المسجد في الموضع الذي خطب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وذلك في أول عهد الخلافة العباسية -منتصف القرن الثاني الهجري- ويقع إلى الغرب من المشعر الحرام، وجزء من غربي المسجد في وادي عُرَنَةً، وسُمِّي بعدة أسماء مثل: مسجد النبي إبراهيم، ومسجد عرفة، وقد اهتمت الحكومة السعودية بهذا المسجد حيث أصبح يتسع لأكثر من 350 ألف مصل، وتزيد مساحته على 27 ألف متر، وبلغت تكاليف عمارته نحو 337 مليون ريال سعودي. وهذا المسجد يفصل سيل عُرَنة بين عرفة ومسجدها، وبين نمرة وهي على حدود الحرم المكي الشريف.
السقاية والرفادة
ولي هاشم بن عبد مناف الرفادة، والسقاية، وذلك أن عبد شمس كان رجلاً سفّاراً قلما يقيم بمكة، وكان مقلاً من المال ذا ولد، وأما هاشم فكان موسراً، فهذا هو السبب في تولّيه الأمرين مع أن عبد شمس كان أكبر منه، وكان هاشم يستعين بقريش في الرفادة، فكان إذا حضر الحاج قام في قريش فقال: «يا معشر قريش، إنكم جيران الله وأهل بيته، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله وحجاج بيته، وهم ضيف الله، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، فاجمعوا لهم ما تصنعون به طعاماً أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها، فإنه -والله- لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه» فيستجيبون له، ويخرجون لذلك خرجاً من أموالهم كلّ بقدر طاقته، فيصنع به للحجاج طعاماً حتى يرجعوا من مكة.
وكان هاشم -فيما يزعمون- أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف، وأول من أطعم الثريد بمكة، وكان اسمه عمراً، وإنما سمي هاشم لذلك، قال شاعرهم:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه...
قوم بمكة مسنتين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما...
سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وفي عهده ازدهرت مكة، وسمت مكانتها في أنحاء الجزيرة كلها، واعتبرت العاصمة المعترف بها، وطوّع لهم هذا الازدهار أن يعقدوا معاهدات الأمن وحسن الجوار مع الدول المجاورة لهم، من رومان، وفرس، وأحباش، وغساسنة وغيرها.
مناوأة أمية بن عبد شمس لعمه هاشم
وظل هاشم تتقدم به السن في مكانته على رياسة مكة وزعامتها، لا يفكر أحد في منافسته، حتى خيّل لابن أخيه أمية بن عبد شمس أنه قد بلغ مكاناً يسوغ له هذه المنافسة، لكنه لم يقدر وغلب على أمره، وبقي الأمر لهاشم لا ينازعه أحد، وترك أمية مكة إلى الشام، فأقام بها عشر سنين.
زواج هاشم من بني النجار
وكان هاشم بن عبد مناف رجلاً تاجراً كثير المال، يكثر من الأسفار ما بين مكة والشام، وفي سفرة من سفراته نزل بالمدينة، فرأى سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، فأعجب بها، وكانت سلمى لشرفها في قومها واعتزازها بنفسها لا تنكح الرجال حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها، إذا كرهت رجلاً فارقته، فتزوجها هاشم، وكانت قبله عند أحيحة بن الجلاح من الأوس، فولدت له عمرو بن أحيحة، وولدت لهاشم عبد المطلب، فسمته: شيبة، فتركه هاشم عندها حتى صار غلاماً دون المراهقة، فذهب إليه عمه المطلب فجاء به إلى مكة، ثم هلك هاشم بغزة من أرض الشام وهو في رحلة من رحلاته التجارية، ثم هلك بعده عبد شمس بمكة، ثم المطّلب بردمان من أرض اليمن، ثم نوفل بسلمان من أرض العراق.
ولاية المطلب الرفادة والسقاية
وبعد موت هاشم ولي السقاية والرفادة من بعده المطّلب بن عبد مناف، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم، وكان ذا شرف في قومه وفضل، وكانت قريش تسميه «الفيض» لسماحته وجوده.
عبد المطلب في مكة
وتذكّر المطّلب أن ابن أخيه هاشم بالمدينة، وأنه قد آن له أن يرجع إلى أهله وبلده، فركب إلى المدينة، وذهب إلى سلمى وطلب إليها أن تدفع إليه الفتى، وقد قارب البلوغ، وبعد تمنع أذنت له ودفعته إليه، فاحتمله على بعيره، وأردفه إياه، ودخل به مكة، فظنته قريش عبداً له جاء به؛ فتصايحت:
عبد المطلب ابتاعه، فقال المطلب: ويحكم، إنما هو ابن أخي هاشم قدمت به من المدينة، فغلب على الفتى هذا اللقب، وصار مشهوراً به، وتنوسي الاسم الأصلي: شيبة.
ولاية عبد المطلب السقاية والرفادة
ثم هلك المطّلب بردمان فولي عبد المطلب السقاية والرفادة بعد عمه المطلب، فأقامها للناس، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون لهم، وشرف في قومه شرفاً لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه، وعظم قدره فيهم، وصار سيد قريش، والمقدّم من أشرافها.
وقد لقي عبد المطلب في القيام بهذين المنصبين، ولا سيما السقاية شيئاً غير قليل من المشقة، فقد كان يومئذ وليس له من الأبناء إلا الحارث، وكانت سقاية الحاج يؤتى بها منذ نضبت زمزم من آبار عدة مبعثرة حول مكة، فتوضع في أحواض إلى جوار الكعبة، وكانت كثرة الولد عوناً على تيسير هذا العمل، والإشراف عليه، فلذلك كان عبد المطلب في هم وتفكير دائم في هذا الأمر.
وبينما هو على هذا رأى رؤيا كانت سبب الفرج بعد الكرب، واليسر بعد العسر، وعادت (زمزم) كما كانت عيناً ثرّة يشرب منها الحجيج، وكان عبد المطلب يشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم، وربما يخلط الماء باللبن، أو العسل ويسقي أضياف الله.
السقاية بعد عبد المطلب
ولما مات عبد المطلب صارت السقاية إلى أبي طالب، ثم اتفق أن أملق في بعض السنين، فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف إلى الموسم الآخر، وصرفها أبو طالب في السقاية، فلما كان العام المقبل لم يكن مع أبي طالب شيء، فاستسلف أخاه أربعة عشر ألفاً أخرى، فقال له العباس بشرط إن لم تعطني تترك لي السقاية أكفيكها، فقال: نعم، وجاء العام المقبل ولم يكن مع أبي طالب شيء، فأخذها العباس، ثم صارت من بعده إلى ولده عبد الله، ثم إلى علي بن عبد الله، ثم إلى داود بن علي، ثم إلى سليمان بن علي، ثم إلى عيسى بن علي، ثم أخذها المنصور واستناب عليها مولاه أبا رزين، وبتوالي العصور ذهبت هذه المفاخر واندثرت.
*المصدر /أطلس الحج والعمرة «تاريخياً وفقهاً» تأليف سامي بن عبدالله المغلوث.
* السقاية والرفادة /كتاب السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة
[محمد أبو شهبة]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.