بمهارات وحنكة السياسي الماهر، اختار صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل حفظه الله، وهو المؤثر بكل سكناته وحركاته يقدم لنا دروساً حيّة عبر محاضرة عنوانها: "تحديات الهوية والمواطنة" انتقاء الموضوع بحد ذاته فيه من الأبعاد ما لا تحصى فما بالكم في تسليط الضوء على القوة الناعمة التي يستثمرها قيادات الدول المتصدرة للتأثير على العالم اليوم. مشاركته هي قيمة مضافة في رصيد الأدب خاصة والوطن عامة، ومما يستفاد من محاضرة الهوية والمواطنة لصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل -حفظه الله- إنه بدأ بالنقطة الأولى مستعرضاً بذكر مثال يهز من خلاله القناعات ويعتبر كبسولة يختصر "فيها من الحكم في سياسات الدول الشيء الكثير" ألا وهو كتاب صدام الحضارات للمؤلف صامويل هنتنجتون للتحذير من أن المواطنة انتصرت على الهوية وهنا لفت سمو الأمير انتباه الجميع عن تصريحه باستحبابه واستلطافه معايشة المؤلف صاحب النظرة الفوقية لحقبة تولي باراك أوباما لرئاسة البيت الأبيض قبل وفاته. ثم تناول الحديث عن المسلمين والعرب الذين يتحدون ولهم تاريخية مشتركة بهوية ممتدة وهذا ما يعول عليه في الهوية ليستذكر ويتيقن الجميع قيمة هذه الهوية. فكم في هذا الحديث من مغزى!! ثم توسع ليعطي درساً للعالم أجمع فمن دائرة الخليج والعرب والمسلمين إلى دائرة العالم فتحدث عن هوية الإنسان الذي يشارك البشر من سكان الكوكب في العيش والتعايش. وعن دور التوازن الرشيد بين عرب ومسلمين الذي يتماهى مع الهوية الكبري للكون. مؤكداً على أن الهوية الكبرى تعزيزها بالتسامح، ثم دلف بنا إلى كفة مهمة جداً إذا صلحت صلحت بقية الجوانب وهي الهوية المواطنية التي تستوعب طموحات الشعب. بل وهي المرتكز الذي تقوم عليه صلاح كل صالح في عمارة الأرض. وكمن طاف وسعى في البيت الحرام طاف وسعى بين البلدان لتحقيق مصالح المسلمين والبشرية، فالفيصل رغب وهدد وندد وحذر وصرح وأوجز ووعى فأفهم من خلال التذكير بأن دول الخليج تعاني من تهديدات أمنية واقتصادية.. وكأنه يذكر كل إنسان بأمانة المسؤولية. انتهى الدرس واختتم الحديث بواقع السعودية اليوم الذي يتطلب سياسات عاجلة لا تحتمل التأجيل وأن الجميع مطالب بالعمل الحثيث لاستكمال العمل لتحقيق الاندماج الكامل ولا نغفل ناقوس الخطر!! الذي علينا أن نقابله بوعي وإدراك وعمل دؤوب. وكانت الخلاصة: نعض بالنواجذ على هويتنا. وبلغة المحب خاطبنا بأننا شعب يملك هوية واحدة بكل تفرعاته وأن المملكة لم تسمح لأي نزاعات مدمرة تهدد أمنها وأننا مهما رشقنا إعلام العدو فإن الواقع يدحض كل افتراءات على السعوديين ثم يعود ليوصينا جميعاً بأن هويتنا الوطنية تعني اعتدالاً وتسامحاً وانفتاحاً ووسطية مؤكداً على الاعتدال كمنهج شامل يحقق المصالح واصفاً كيف يتعايش 12 مليون وافد في السعودية إلا لأن التسامح ديدن هذا المجتمع. وأشار إلى كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -رعاه الله- القائل: لم يعد التطرف موجوداً بل أصبح متخفياً ومنبوذاً. ثم أعطانا نموذجاً حياً نقتدي به في وطنيتنا حين قرن الاعتدال بشخصية نظمي النصر الذي قال عن الاعتدال: وهي صفة جليلة ظللت طيلة حياتي أحاول تجسيدها وتبنيها في مسيرتي على المستوى الشخصي والمهني، ولم أكن لأحقق ما حققته لوطني الغالي لولا إيماني الكامل بأن الاعتدال مطلب أساسي لبناء الأوطان". ثم عرج على دور الأسرة والتنشئة التربوية والقيمية في تعزيز القيم والأخلاق ليحملنا تبعات التقصير ويذكرنا بحديث الرسول "صلى الله عليه وسلم" (كلكم راع) دروس فكم من مستفيد. * المشرفة على فعاليات ديوانية المثقفات والأديب الصغير وأديبات واعدات في نادي الأحساء الأدبي