المتأمل في الاختلافات بين البشر يجد نفسه في رحلته الفكرية تنساب لا شعورياً للبحث عن عامل مشترك يجمع بين الكل، وكأن الشتات الذي دفع المتأمل لعبادته أوصله إلى مساحة الراحة، تلك المساحة التي هي نقطة الارتكاز والمنطلق الذي سيحدد مساره في رحلته للبحث عن أهم احتياجات الخلق، ويتمثل أمامه احتياج القلوب، فمهما بلغ التنوع والتعدد والتصنيف نجتمع كلنا في سؤال الله، ويظل كل قلب فقير يلوذ إلى الغني، ومسكين يلجأ إلى القوي. وهنا وقفة نكاد نتفق أن من الصعوبة علينا الحديث عن الفقه في الدعاء وخوض غمار آدابه فهذا له أهل الاختصاص، ولكن التعبد في الدعاء من الفطرة، فهو مفتاح لكل مغلق ومخرج لكل مضطر وجواب لكل سؤل، وحل لكل مسألة، فنحن على يقين أن كلنا عيوب وذنوب، ونقص وقصور، ولا ندعي الكمال ولا نجزم بإتمام الأمور. واليوم نسمع صنوف من أخطأ الأدعية تناقلها البعض بلا يقين، وضجت بها الألسن، وصدحت بها الحناجر وصداها تردد في الآفاق، لكنها لم تطأ بئر القلب فعادت أدراج الرياح، عادت بخفي حنين، عادت بلا منقبة. بئر القلب بات جافاً يبست حوافه، ونشفت عروقه، فهو على مشارف الهلاك، يتوق لقطرة من الصدق في حضور النية والشعور. وأحياناً ترى الأيدي مشغولة بطي الأوراق وهمها الترداد دون فهم أو إدراك أو وعي، وكأنه ينافس العنكبوت في نسيج بيتها!! ثم ماذا؟ ثم ييأس من الدعاء ولا يسأل الله ومن لا يسأل الله يغضب عليه. إن اليد التي تعانق السماء تكون في أبهى حلة، وأصدق كلمة، وأنقى خاطر، فصاحبها على سجادة الافتقار، رداؤه التذلل، وعمامته الخضوع لا يدعو إلا وهو على يقين، ولا يرفع بصره إلا مستحضراً من يخاطب جل جلاله، ولا يحيد قلبه قيد أنملة لأنه في نعيم لذة مناجاة الله. إن ثلاثية «اليد الممتدة، والعين المترقبة، والقلب الشكور» هي الكفيلة بتسخير السماوات وما فيها، والأرض ومن عليها، هذه التقنية الثلاثية يتقنها بالفطرة الجاهل قبل المتعلم كيف لا وهي محمولة في مركب النيّة ومرساها اليقين. لذا تجد البعض دعواته مستجابة، وباله راض وحاله مستور، ويقول كثر خير الله وطاب.