محافظ بيش يستقبل شيخ شمل السادة الخلاوية والشابين المبدعين الشعفي    هيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز تعلن اكتشاف شجرة السرح النادرة في وادي الشوكي    تعليم الطائف يستأنف تنفيذ المرحلة الرابعة من مبادرة "قادر" لتأهيل طلاب الثانوية    بنترست تصدر تقرير اتجاهات خريف 2025 لجمهور السعودية والإمارات    محترف الاتحاد أمام الشرطة العراقي.. هدف لم يتذوقه من قبل    بنك التنمية الاجتماعية ينال جائزة المنظمة العالمية لبنوك الإدخار ومصرفية الأفراد (WSBI – ESBG SDG) لتعزيز أهداف التنمية المستدامة لعام 2025    جمعية التطوع تطلق مركز (مفاز للإعلام الاجتماعي)    بدء أعمال هدم جزء من البيت الأبيض.. وترامب: سنبني قاعة رقص كبيرة    سعد سفر آل زميع للمرتبة الخامسة عشر    انتخاب تاكايتشي رئيسة للوزراء في اليابان    التدريبات الرياضية هي أفضل علاج لأوجاع التهاب مفاصل الركبة    الفتح يستأنف تحضيراته لمواجهة الاتفاق    القادسية يفتتح مركز الأداء العالي بمعايير عالمية في 6 أشهر    "أوتشا" ترحب بالسماح للأمم المتحدة بنشر مراقبين في قطاع غزة    السواحه يلتقي الطلاب السعوديين المبتعثين في الولايات المتحدة    بيع شاهين فرخ ب 120 ألف ريال في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    انخفاض أسعار النفط    "الأونروا": يجب أن يستمر وقف إطلاق النار في غزة    وزير الخارجية وغوتيريش يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    بين جائزة القارة واستفتاء مجلة    في الجولة الثالثة من دوري أبطال أوروبا.. سان جرمان وإنتر وآرسنال لمواصلة الانتصارات وبرشلونة للتعويض    120 مليار استثمار أجنبي مباشر ..الفالح: 4.8 تريليون ريال حجم الاقتصاد السعودي    نائب ترمب: وقف إطلاق النار أمام تحديات كبيرة    قبيل قمة بوتين – ترمب.. توتر سياسي ودبلوماسي حول أوكرانيا    تسجيل 184 موقعاً أثرياً جديداً في السعودية    تستهدف تصحيح أوضاع العاملين في هذه الأنشطة.. إطلاق اشتراطات أنشطة المياه غير الشبكية    بجانب 20 موظفاً أممياً.. الحوثيون يحتجزون ممثل اليونيسف في صنعاء    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    وزير البيئة افتتح المعرض.. 3,5 مليار استثمارات زراعية جديدة في المملكة    المساعدة القهرية    صانع المحتوى وردة الفعل    مسلسلات وأفلام تغزو بيوتنا وتهدد جميع القيم    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    الصقارة.. تعززالهوية الثقافية    متلازمة المبيض متعدد الكييسات (2)    علماء يطورون ذكاء اصطناعياً لتشخيص ورم الدماغ    هرمون الكورتيزول خدعة من العيار الثقيل    الوحدة يكسب الدحيل بثلاثية    إنزاغي: هدفنا مواصلة الصدارة    أمير القصيم يدشن مشروعي "التاريخ الشفوي" و"تاريخنا قصة"    الوقت في المدن الكبرى: السباق مع الزمن    1214 مصنعا سعوديا تعزز منظومة الأمن الغذائي    تداول يتراجع ويغلق عند 11644 نقطة    اعتدال أسعار الغاز الطبيعي عالميا    فيصل بن خالد: الممارسات التطوعية دعم للمنظومة الصحية وإنقاذ للأرواح    محمد بن عبدالرحمن يشيد بالعفو والصفح عند المقدرة    خطر بطاريات ألعاب الأطفال    هياط المناسبات الاجتماعية    رسائل من الجو تنسف الهدنة    عندما يتكلم غير المختص في غير مجاله    أمين منطقة جازان يتفقد المشاريع والخدمات البلدية في محافظة أبو عريش    1.3 مليون جلسة قضائية رقمية عبر "مُعين" في ديوان المظالم    جمعية شفيعًا تنظم رحلة تكريمية لطلاب الحلقات الحافظين لكتاب الله من ذوي الإعاقة للمدينة المنورة ومكة المكرمة    سماء السعودية تشهد زخة شهب الجباريات من 2 أكتوبر حتى 7 نوفمبر    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    سعود بن بندر يستقبل مشرف البعثة التعليمية في البحرين ومدير تعليم الشرقية    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    لا مال بعد الموت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البداوة والوعي بالتاريخ في فكر شتراوس
نشر في الرياض يوم 21 - 05 - 2021

من واقع التأثير الفكري الكبير للإثنولوجي الفرنسي كلود ليفي شتراوس في فضاء العلوم الإنسانية والأبحاث الأنثروبولوجية، فقد ارتقى في الوصف إلى أن يكون أكبر مهندسي الفكر في العصر الحديث، وهو رائد المنهج البنيوي الذي ارتبط به، وأصبحت البنيوية تقود مباشرة إلى شتراوس.
من خلال جهد فكري واسع أسهمت دراسات شتراوس وأبحاثه الفكرية في تغيير الفهم الغربي حول طبيعة الثقافة والعادات والحضارات الإنسانية، حيث درس أساطير القبائل البدائية من أقصى شرق العالم إلى الأمريكتين، ووصل إلى أن الأساطير القبلية تعرض أنظمة منطقية دقيقة بشكل ملحوظ، وتُظهر صفات عقلية ورؤى عقلانية متطورة مثل تلك الموجودة في المجتمعات الغربية.
في الواقع كلنا نأتي من البداية ونتجه إلى الخاتمة أما من يتوقفون في البداية ولا يتحركون فإنهم يتحولون تلقائيا إلى ما يمكن تسميتهم بالزاعمين الحضاريين، ولذلك يحتشد كتابه "الفكر البرّي" بنماذج تعزز الحضور البدوي في الحضارات الإنسانية لما ظل يتمتع به البدو من مزايا وسمات تمنحهم تلك القدرات التي تجعلهم الأقرب لأن يكونوا الأكثر حظا في الصناعة الحضارية لأن ميزة الوعي بالتاريخ التي يشير إليها شتراوس هي التي تجعلهم متعطشين إلى المعرفة.
في تقديم "الفكر البرّي" وصف للبدو بأنهم الداخل والمتقابل في الذاكرة الحضارية وليسوا الغرباء، وذلك يأتي في سياق حيوية الوعي والانغماس في الجذور، أي الأصالة الفكرية والحضور العقلي الذي ينتقل من اللا منطق إلى المنطق، وهي فكرة تخدم الاتجاهات البنيوية التي تظل حاضرة في كل ما كتب شتراوس.
في استهلال "الفكر البرّي" إشارات عميقة للجهد العقلي الذي يمكن أن يقدمه البدو، وذلك فيما ورد حول المأخذ القرآني عليهم بوقوعهم في الأسماء "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم" وتخليهم عن "علمهم الإحساسي" واكتشاف وحدة الكون وتوحدهم بفطرتهم الذي يقودهم إلى الإيمان بوحدانية الخالق عز وجل.
وهم حين استخدموا الفطرة قادهم العقل إلى الإيمان والمنطق، وذلك ما يعزز الفكرة البنيوية التي يتجه إليها شتراوس في ربطه للمتغيرات القائمة على أسس علمية، وحين قدّم نموذج البدائيين حول جبل البيناتوبو في الفلبين، وجدهم يحصون ستمائة نبتة موصوفة، ولم يتوصلوا فقط إلى معرفة خرافية بهذه النباتات وطرق استعمالها بل إنهم يستخدمون مائة مصطلح ليصفوا أجزاءها وسماتها المميزة.
ذلك الفكر القائم على دراسات وأبحاث أنثروبولوجية استخدم فيها شتراوس منهجا بنيويا محكما مما جعله يؤمن بأننا لسنا في وضع يسمح لنا بإطلاق أحكام معيارية، وتفاضلية حول الثقافات الأخرى، كما يقول صديقه الأنثروبولوجي السويسري بيار سونليفر، والذي يضيف أن شتراوس مؤمن بأن كل الثقافات قابلة للتماهي الواحدة مع الأخرى.
كان تأثير شتراوس عميقا حتى على منتقديه، وكان هناك الكثير منهم، في وقت لا يوجد هناك وريث مشابه له في فرنسا. وقد قال عنه رئيس قسم الأنثروبولوجيا في "كوليج دو فرانس"، فيليب ديسكولا "يدرك الناس أنه أحد المثقفين العظماء في القرن العشرين".
لقد أحدث هذا المفكر التحوّل الضروري في بنية العقل الغربي تجاه المجتمعات البدائية من خلال تفسيراته لأساطير أمريكا الشمالية والجنوبية. فنظرة القوم التقليدية ترتكز إلى أن تلك المجتمعات كانت غير متخيلة فكريا وغير عقلانية، يقوم نهجها في الحياة والدين على تلبية الاحتياجات الملحة للطعام والملبس والمأوى.
وما فعله شتراوس أنه أنقذ الغرب من أن يظلوا ضحايا لهذا المنظور المحدود. وفي تجربته مع المجتمعات البدائية في البرازيل، حيث قام بعمله الميداني الأول والأساسي، وجدهم يسعون بشكل دؤوب ليس فقط لتلبية الاحتياجات المادية ولكن أيضا لفهم الأصول، وفي ذلك منطق متطور يحكم حتى أغرب الأساطير، مع الشعور الأصيل بالنظام والتصميم، حتى بين القبائل التي مارست حروبا قاسية.
مما خلص إليه شتراوس في دراساته وأبحاثه وطروحاته حول البدو أن التعطش للمعرفة الموضوعية هو أحد أكثر الجوانب المهملة في فكر الناس الذين نسميهم "بدائيين"، ومع جهد الغرب في التخلص من القبائل البدائية كما في البرازيل حيث اختفت أكثر من 90 قبيلة و 15 لغة خلال الفترة من 1900م إلى 1950م، شعر بالقلق من نمو ثقافة أحادية حديثة دفعته إلى التعبير عن اشمئزازه الذاتي من الغرب و"قذارته التي أُلقيت في وجه البشرية".
بوضوح كثيف أظهر شتراوس تمييزا حادا بين الإنسان البدائي والحديث، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أننا نتحرك من بداياتنا مع المحافظة على وعينا التاريخي، فذلك ما يجعل فكرة التطور منطقية لكل إنسان، وفي رأيه أن الوعي بالتاريخ هو الذي سمح بتطور العلم ومعه الغرب وتوسعه.
دون الوعي بالتاريخ فإن أي حضارة مهددة بالتلاشي، وحتى القبائل التي تواصل معها شتراوس في الفلبين والبرازيل لم تتواضع في تطورها إلا بعمل منهجي يبقيها في نقطة البداية كان للغرب دور فيه، وللمفارقة فإن هذا المفكر كان قلقا على مصير الغرب، وعبّر عن ذلك في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" بأن الغرب سمح لنفسه بنسيان أو تدمير تراثه، مع تلاشي قوة الأسطورة في الغرب الحديث.
كان شتراوس يعتقد أنه يجب على كل مجتمع تشكيل نفسه من مادة الطبيعة الخام، مع القانون والعقل كأدوات أساسية. وهذا يحتمل تصالحا متواصلا مع أصالة المجتمعات ووعيها بتاريخها والمحافظة عليه لأن ذلك يخلق الحافز الغريزي للتطور دون أن يعني صراعا مع الحداثة، أو تشويشا على المجتمعات التي تعتز بأصالتها ووعيها بتاريخها.
د. عادل النيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.