وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصاً بانطلاق مؤتمر مستقبل الطيران    غرفة الشرقية تعقد "لقاء رياديون" لطلبة جامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل    من هو الرئيس المؤقت لإيران؟    الوحدة يضع أنظاره على أحمد حجازي    أمير الرياض يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية المتقاعدين بالمنطقة    وفاة الرئيس الإيراني والوفد المرافق له في حادث تحطم الطائرة المروحية    "سلمان للإغاثة" يختتم مشروع جراحة وقسطرة القلب في عدن    "الزكاة والضريبة والجمارك" تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة عن شهر أبريل الماضي    أرامكو توقع اتفاقية مع "باسكال" لاستخدام أول حاسوب كمي بالسعودية    بلديةالبكيرية تنفذ 2754 جولة رقابية في شهر أبريل الماضي    تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    بعد مصرع عبد اللهيان.. «كني» يتقلد حقيبة الخارجية الإيرانية    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب منطقة "شينجيانج" شمال غرب الصين    إيران تعلن رسمياً مصرع الرئيس ووزير الخارجية    تعليم البكيرية يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    مرضى جازان للتجمع الصحي: ارتقوا بالخدمات الطبية    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    المملكة تؤكد استعدادها مساعدة الأجهزة الإيرانية    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    الديوان الملكي: تقرر أن يجري خادم الحرمين فحوصات طبية في العيادات الملكية    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    الانتخابات بين النزاهة والفساد    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوعي التاريخي والمدارس الأنثروبولوجية
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2001


الكتاب: العود الأبدي والوعي التاريخي
الكاتب: شمس الدين الكيلاني
رأى العديد من الأنثروبولوجيين في انبعاث مبحث علم الأساطير والأديان النتيجة المنطقية لعقلانية عصر الأنوار. ولاحظ ارنست كاسيرر أن فلاسفة عصر التنوير وتقويضهم أصالة الوحي وتبني القوانين الأزلية والثابتة للعقل درجوا على طرح مقولة الدين الطبيعي كجبلة كونية. وبحسب الكيلاني في كتابه "العود الأبدي والوعي التاريخي" الصادر أخيراً في دمشق، فإن بدايات التاريخ المقارن للأديان تقع في أواسط القرن التاسع عشر، لحظة بلوغ الدعاية المادية الوضعية ذروتها: ترافقت الوضعية في كتاب اوغست كونت "دروس في الفلسفة الوضعية"، مع التطورية، خصوصاً بعد ظهور كتاب داروين "أصل الأنواع"، وعرض هربرت سبنسر لأطروحاته حول الطابع التطوري وحيد الاتجاه. وبالتالي، لم يكن من تقدير للظاهرة الدينية إلا في أشكالها الأكثر شيوعاً. فانتهى التقدير الى القول إن الدين مصيره "الاندثار" مع انتشار "الأنوار".
داخل هذا الفضاء الثقافي السائد في توجهاته المعادية للدين والمضادة للميتافيزيقا "نشأت إشكالية في غاية الحساسية وبقيت مثار جدل حاد حتى عصرنا الراهن". ولمقاربة هذه الإشكالية يحاول المؤلف أن يركز على أربعة محاور. في الأول يناقش تصورات العلم للمخيال الاجتماعي وكيفية تطور الوعي التاريخي على اختلاف مشاربه، بدءاً من الاهتمامات الأولى القديمة بالأسطورة وانتهاء بالأبحاث المعاصرة.
انطلق المؤلف من الفكر اليوناني الذي عمل على إزاحة كل قيمة دينية أو ميتافيزيقية للأسطورة ووضعها في تضاد مع العقل والتاريخ. فهيرودوت كان أول من ترك ميدان الأساطير والأوهام، أو ميدان الآلهة والأبطال الأسطوريين ليلتفت الى الزمن المشخص. فكرس جهده للبحث في الحروب الميدية محاولاً فهم الأسباب الواقعية لنشوبها. وهكذا استمر النظر الى الأسطورة، كمجموعة من القصص والحكايات الملفقة حتى العصر الحديث إذ دشنت أوروبا مسألة البحث عن منشأ الأسطورة وطبيعتها ومضمونها ووظيفتها. وينتقل المؤلف الى المحور الثاني عن تفرع الاهتمام بالأسطورة والدين الى مدارس بعضها غرضه النقد والبعض الآخر يقصد إعلاء الشأن.
فالأولى تجسدت في فلسفة التنوير إذ وضعت الأسطورة ضمن المخلفات اللاعقلية التي يجب تصفيتها بلا هوادة. وهكذا فبدل عقلنة الأسطورة خلقت أسطورة العقل. أخطأ التنويريون في مشابهتهم الديني باللامعقول. ولم يكن في مقدورهم صياغة فضاء تأويلي أرحب يُوضح التركيب المعقد للظواهر الدينية.
والثانية تجسدت في الرومانسية على أساس ثورة الفردي على الكلي. فالرومانسية دفعها حنين لا يحد لكل ما هو عجائبي وغرائبي. ووجدت ضالتها في الأدب الشعبي. لكنها تأسست على الأخطاء المنهجية القاتلة للمدرسة الميثولوجية اللغوية. وأغرقت نفسها بالتركيز على "التفاعل الثقافي" بين الحضارات وانتقال الحكايات الأسطورية بين الشعوب من دون الاهتمام بالإنسان حامل هذه الأساطير وظروف استبطان أساطير "الآخر".
والثالثة هي المدرسة الأنثروبولوجية، التطورية والوظيفية والبنيوية والتحليلية النفسية. ظلت الدراسة التطورية للظواهر الفكرية محكومة بوحدة العقل ووحدة تطور البشر خارج شرطها التاريخي. فالقرن التاسع عشر شهد محاولات استنتاجية شاملة مورغان، انغلز، وأحياناً اعتباطية، لم يعر مؤرخو الأديان فيها انتباهاً إلا لأشكال التماثل والتشابه من خلال جمع الصيغ البدائية والكونية المشتركة بين الأديان أو محاولة دمجها في نسق تطوري صالح لكل الأزمنة والأمكنة، أو إعطاء الواقعة الدينية تعريفاً جامعاً مانعاً. وقسمت هذه الدراسات الأنثروبولوجية شعوب العالم الى مراحل تطورية التوحش- البربرية- الحضارة، طبقاً لما بلغته من تطور تكنولوجي، فأطلق مفهوم "البدائية" على المجتمعات التي لا تكفي وسائلها أهدافها. وعلق هذا الاتجاه اهمية فائقة على المجتمعات "البدائية" لإثبات أن الأشكال الاجتماعية السائدة فيها ليست سوى تعبير عن حالات موقتة من الجمود التاريخي، سبق للتاريخ الاجتماعي والأوروبي أن مرّ بها وتجاوزها: مشاعية بدائية، مجتمع أمومي، مجتمع أبوي، عائلة موسعة... وصولاً الى العائلة البورجوازية الحديثة.
أما المقاربة الثانية، فتجلت بالوظيفة، ويعتمد تطبيق الوظيفة على التناظر بين الحياة الاجتماعية والحياة العضوية. انكبت الوظيفية على تحديد الوظيفة الاجتماعية لكل ظاهرة في تقابلها وترابطها مع الظواهر الاجتماعية الأخرى متناسية ان ما هو وظيفة بالنسبة الى المجتمع، يختلف تحديده باختلاف الفئات أو الطبقات الاجتماعية. وإذا ما انطلقنا من مفاهيم الوظيفية للحياة العضوية للقيام ببحث منظم حول طبيعة المجتمع الإنساني، نواجَه بمشكلات ثلاث: الأولى هي المورفولوجيا الاجتماعية، أي أنواع البنى الاجتماعية، والثانية هي الفيزيولوجيا الاجتماعية، أي كيفية تأدية البنى الاجتماعية وظائفها، والثالثة هي التطور وكيفية ظهور انواع جديدة من البنى الاجتماعية.
طبّق الفكر البنيوي بشكل خاص على الأنظمة الرمزية من لغات وأساطير وأديان. ومثلت البنيوية ثورة في علم الأناسة الإثنولوجيا. إذ بينت أنه ينبغي دراسة الطقوس والأساطير كأنظمة متكاملة ومستقلة بحد ذاتها، لها تماسكها الخاص. والمؤلف يرى أن البنيوية تعتبر الخلاف بين الفكر الأسطوري والفكر العلمي متعلقاً بطبيعة المعطيات التي تتناولها هذه العمليات الفكرية أكثر مما يتعلق بنوعية هذه العمليات ستراوس. لكن ما نسيته البنيوية نسياناً تاماً هو ضرورة التفكير في ما تقوله الأساطير ومغزاها التاريخي ودلالتها المعرفية والمعنى الذي تفتحه امام معتنقيها، كما نسيت الإجابة على السؤال: لماذا أنتج الفكر وعياً أسطورياً؟
ونحن لا نتفق مع ما ذهب إليه المؤلف حين ضمّ البنيوية للتطورية والوظيفية باتهامها بأنها وصمت كل الأديان والثقافات الخارجة عن مدار المركزية الأوروبية باللاعقلانية. فالحقيقة أن البنيوية أحدثت قطيعة مع الإتنولوجيا الاستعمارية التي ذهبت الى أن الأساطير والشعائر هي عبارة عن خطابات أو ممارسات فوضوية، ولا معنى لها. وكان ثورياً ان تعامل البنيوية التصورات الخاصة بالشعوب غير الأوروبية كأنظمة لها منطقها الخاص وتماسكها الذي لا ينبغي الاستهانة به.
أما في ما يتعلق بالتحليلية النفسية، فالمؤلف يذهب الى أن معالجة فرويد للأسطورة جاءت على نحو مماثل لمعالجة المضمون الظاهري للحلم وأفكاره الكامنة اللاشعورية. فالأسطورة كالحلم تعبّر عن الميول الوجدانية التي طمست هويتها بالطفولة تجاه الأبوين، وهي نوع من إطلاق المكبوت لإشباع الميول الانفعالية. ويضيف المؤلف أنه على رغم مما قدمته المدرسة الفرويدية من إسهامات قيمة في مجالات العلوم الإنسانية، إلا أنها ظلت أسيرة النظرة الاختزالية للإنسان، إذ بالغت في إعطاء الطاقة الجنسية/ النفسية "الليبيدو" دوراً طاغياً في الحياة الإنسانية، وعزت كل ظواهر الوعي التاريخي، بما في ذلك الأسطورة والدين، الى تسامي "الليبيدو". لكننا لا ندري لماذا صمت المؤلف عن مدارس ومناهج أنثروبولوجية مهمة، ولم يأت على ذكرها. فهناك الاتجاه النسبي الثقافي وهو اتجاه المدرسة الأميركية في الأنثروبولوجيا مارغريت ميد، روث بنديكت، والذي يؤكد على الخصوصيات الثقافية لكل مجتمع بشري، فيرفض كل مقارنة بين الحضارات واللجوء الى أحكام قيمة تجاهها. فالخصوصية الثقافية التي تميز كل مجتمع بشري لا تمكن مقاربتها بوضوح إلا من خلال النسبية الثقافية. وهذا الاتجاه يبني موقفاً متسامحاً ومتفهماً. وهو يعتبر المجتمع البدائي او الثقافة الأسطورية "خياراً ثقافياً" مختلفاً عن القوس الثقافي الكبير المتاح امام البشرية جمعاً، ولا بدّ من المحافظة عليه ضمن مبدأ "التعددية الحضارية". وهناك منهج الدراسات الإثنولوجية ويركز على تطور النظم الحضارية ضمن المجتمع الواحد، على أساس أن لكل مجتمع نظماً مسلكية خاصة به.
في المحور الثالث، يركز المؤلف على أهمية الأبحاث الفلسفية المعاصرة كونها تنظر الى الأسطورة من نقطة استشراف عالية، بحثاً عن دلالتها الأعمق بالنسبة الى حياة الإنسان. ويركز المؤلف على قيمة الأبحاث التي جاءت على يد كاسيرر ومارسيا الياد. خصوصاً الأخير لكونه مؤرخ أديان، وظواهرياً باحثاً عن المعاني. فبغياب التأويلية لا يزيد تاريخ الأديان عن كونه تاريخاً هشاً، خصوصاً إذا ما اقتصر على الترصيف الجامد للوقائع. وبلوغ المعنى غاية التأويلية. وكل تجلّ للمقدس أساطير، رموز، طقوس يصبح مستبطناً لرسالة حية تجد معناها داخل الثقافة أو القبيلة أو الدين. كما أن الياد يقودنا الى نهاية التطور الإنساني. وكأن البشرية ما غادرت الأسطورة يوماً. إذ لكل عصر أسطورته الأخاذة يلجأ إليها هرباً من وطأة التاريخ.
في المحور الأخير يرى المؤلف ان معظم الأبحاث العربية لا تزال تتعامل مع النتائج كأنها أسباب ومن دون الأمور في إطارها التاريخي والاجتماعي، مستثنياً الباحث مصطفى حجازي في كتابه "مدخل الى سيكولوجيا الإنسان المقهور". وما يهمنا في هذا الكتاب حسب المؤلف استكناه أسباب الأزمات في مجتمعنا العربي الإسلامي، وكيفية اشتغال الأسطورة أو الخرافة في الإنسان المسحوق وطريقة تحكمها بمصيره. وهذا يدل على مدى انتشار الخرافة مع شدة المظالم الاجتماعية وتضخم الإحساس بالعجز نتيجة القمع السلطوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.