المحطات التلفزيونية العربية تلبس ثوباً مختلفاً خلال شهر رمضان المبارك حينما تتسابق لتسخير برامجها للدراما والكوميديا والمسابقات ونوع آخر يسمى البرامج الدينية، والأخيرة هي ما يهمنا هنا من حيث إنها تأخذ حيزاً لافتاً.. حتى إن كثيراً من القنوات تستنفر للتسابق على المشايخ أصحاب الشعبية الأكثر لمنحهم برامج على قناتها.. ولا يهم لديها إن كان الأكثر علماً أو الأقدر على الاستنباط والتسهيل فهماً على المشاهدين.. المهم أن يكون حاضراً بمتلازمات يرددها المشاهدون، مثيراً للتساؤل وأحياناً الضحك. ومع الانتشار الكبير لمثل هؤلاء إلا أنني معجب كما غيري بتلك البرامج الحوارية الدينية التي دأبت محطات خليجية على بثها خلال شهر رمضان المبارك، لقدرتها على الخروج من عباءات الوعظ والإرشاد والتوجيه فقط إلى مناقشة قضايا حديثة تهم المجتمع وتمس الشباب وتوعيهم وتثقفهم، توسع مداركهم وتخاطبهم وفق اللغة التي يحبون سماعها بعيداً عن الوعيد والتهديد والويل والثبور الذي يكاد أن يكون العنوان الرئيس لبرامج كثيرة سابقة. نطالب بأن يتعايش مشايخ القنوات مع الواقع والحاجات المستجدة للفرد والمجتمع، كمنطلق إعلامي حواري ديني جديد ستفيض إيجابياته ونغنم مكتسباته، بعد أن رزئنا ببرامج إذاعية وتلفزيونية تبث إلى وقت قريب، ترمي إلى موضوعات، بعيدة عن العصر، تركز على شواهد حدثت منذ قرون بعيدة وما عاد لها وجود في عالمنا اليوم.. أو تلك التي تسلط الضوء على جزئيات فقهية سهلة من البساطة أن ينال معلومتها كل مريد لها وبأسهل الطرق. وهذا لا يعني أننا نرمي إلى التخلي تماماً عن النصح والإرشاد وتذكير الناس بما يحتاجونه من علم فقهي، لكن نريد فهماً أكبر لماهية الرسالة الإعلامية من حيث كيفية جذب المشاهد والتأثير فيه بما ينفعه من أمور دينه، نتمنى برامج تدعو إلى التسامح والمحبة والتطور والارتقاء والإعمار وتهذيب الذات من أجل العيش في إطار حياة كريمة مع الآخرين.. وتحث على الصفات الحميدة، بل والعادات السليمة، وكثير من القيم التي سيكون مشايخنا أكثر تجلٍ وقدرة على الإقناع أثناء شرحها والتذكير بها. نؤكد على ذلك لأن مجتمعاتنا تعيش في إطار دوامة إعلامية كبيرة تقدم كثيراً من الغث وقليلاً من السمين، إضافة إلى ما تلقاه من تنازعات ثقافية وسلوكية تهدد هوياتهم، وعليه فما أشد حاجتنا إلى معينين لهم في مشوارهم الحياتي، ممن هم قادرون على التعايش معهم معلومةً وإقناعاً عبر الشرح المستنير، وربط الدين بما تحتاجه الحياة، بعيداً عن الأمور الفقهية الخاصة التي لا تهم إلا قلة قليلة. نريد ما يتواءم مع العصر، لأن في مناهج التعليم ما يكفي الإجابة عن كثير من الاستفهامات السهلة، وأحسب أن درجة التعليم المرتفعة وسهولة الوصول للمعلومة في عصرنا الحالي كفيلة بإزالة كثير من اللبس المعلوماتي؟!.. وعليه ليكن الخطاب الديني الموجه لمشاهدي التلفزيون مرتبطاً بما يمس احتياجات المجتمع الآنية.