ربما ما زالت وظيفة الطيار تحتفظ برونقها وسمعتها اجتماعياً كمهنة واعدة وممتعة. إلّا أن كبريات شركات النقل الجوي حول العالم تعاني اليوم من النقص الحاد في عدد الطيارين المؤهلين لقيادة أساطيلها بسبب ارتفاع تكاليف تأهيل الطيارين في مقابل تضاؤل الحوافز المادية لهذه الوظيفة. فهل ستعيق هذه المشكلة الطريق أمام ازدهار وتطور الصناعة؟ تاريخياً، ومنذ حلّقت أول طائرة بنجاح، ظهرت مئات آلاف من الوظائف الجديدة في مختلف التخصصات تحت مظلة هذه الصناعة. بل إن هناك تخصصا طبياً (طب الطيران) استحدث خصيصاً لهذه الصناعة. ومع مرور الزمن والتقدم التقني المستمر، اختفت كثير من هذه الوظائف وقد يكون أشهرها وظيفة (مهندس الرحلة) التي اختفت بشكل كامل في الطيران التجاري واستبدلت مهامها بعدد من الكمبيوترات داخل الطائرة تقوم بالمهمة بدقة أكبر وتكلفة أقل. كما أن وظيفة الطيار نفسها تغيرت كثيراً عبر السنين. ففي وقت سابق كان على عاتق الطيار ومساعده القيام بقائمة طويلة من المهام والواجبات قبل وأثناء وبعد كل رحلة! واليوم تقلصت هذه القائمة بشكل كبير بفضل التقنية وبعض هذه المهام تم فصلها في وظائف جديدة على الأرض مثل مهام المرحل الجوي. كما أن عدداً من الشركات المصنعة للطائرات بدأت فعلياً في العمل على تصاميم لطائرات تجارية يقودها طيار واحد بدلاً من طيار وطيار مساعد! هذه التغييرات في طبيعة عمل الطيارين جعلت مهمتهم أسهل ولكنها أيضاً جعلت أجورهم أقل مقارنة بما كانت عليه قبل عشرات السنوات. ومع هذا بقيت تكلفة التأهيل والتدريب مرتفعة بشكل كبير مما قلّل الإقبال على هذه المهنة. فتكلفة الحصول على رخصة الطيران التجاري تصل، بحسب بعض التقارير، إلى أكثر من 200 ألف دولار أميركي شاملة تكاليف الحصول على الحد الأدنى من ساعات الطيران المطلوبة للحصول على عمل في قطاع الطيران التجاري. والطيران التجاري (ولأنه تجاري) سيبحث دوماً عن أي فرصة لتقليل التكاليف وتعظيم الأرباح. وهناك تكهنات كثيرة لاتجاه الصناعة نحو تشغيل طائرات نقل ركاب بدون طيارين. لكن من حسن حظ الطيارين أن أنظمة الطيران الدولية ما زالت تفضل وجود البشر في قمرة القيادة. على الأقل حتى الآن! عموماً، لا أحد يستطيع التكهن بمستقبل هذه الوظيفة بشكل دقيق. خصوصاً عندما نتذكر كيف قضت السيارة على وظيفة قائد العربة ووظيفة الحصان قبل أكثر من 130 سنة لكنها استحدثت وظائف أكثر بكثير من تلك التي اختفت. ومن المثير معرفة أن مجرد إضافة الأزرار الإلكترونية داخل المصاعد في الأبنية أفقد آلافاً من الناس وظائفهم وفي المقابل جعل استخدام المصاعد أمراً عفوياً ولا يتطلب مساعدة من أحد. * كاتب متخصص في شؤون الطيران جاسم أبوزيد