انعكس التوصّل المبدئي لاتفاق التجارة بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين المعلن عنه في الثاني عشر من ديسمبر الجاري إيجاباً على أداء الأسواق العالمية لا سيمّا أسواق النفط وحركة الأسعار التي غلب عليها الأداء التصاعدي منذ نهاية الأسبوع الثاني من تداولات الشهر الجاري، حيث صعد خام الإشارة برنت بواقع ثلاثة دولارات من 63 دولاراً للبرميل إلى مشارف ال 77 دولاراً ليعود مستقراً بنهاية الأسبوع ضمن نطاق ال 66 دولاراً، لذلك لا زالت أسعار النفط مهيأة لتحقيق المزيد من المكاسب يدعم ذلك عدد من المعطيات وهي، أولاً استمرار تحقيق أي تقدّم إيجابي في المفاوضات التجارية التي سيكون لها مردود إيجابي على نمو الاقتصاد العالمي، كذلك بدء العمل بتعميق مستويات الخفض لدول OPEC+ اعتباراً من يناير المقبل لمدة ثلاثة أشهر، حيث من المتوقع أن يصل حجم تقييد المعروض النفطي من هذه الدول إلى 2.1 مليون برميل يومياً بدعم إضافي من المملكة العربية السعودية مقداره 400 ألف برميل يومياً، يرافق ذلك توقعات بنمو الطلب العالمي على النفط في العام 2020م مليون برميل يومياً مع تحسّن متوقع لأداء الاقتصادات الآسيوية (الهند والصين)، وعلى الرغم من وجود بعض التشكيك من قبل جهات أجنبية حول أداء اتفاق OPEC+ وأثره على الأسواق عقب قرار زيادة تقييد المعروض النفطي بداية ديسمبر الجاري بمقدار 500 ألف برميل يومياً، إلا أن هذه الآراء قد لا تكون في محلّها باعتبار المردود الإجمالي للاتفاق، وهي المخرجات التي تحتاجها أسواق النفط وليس فروقات الالتزام ما بين الدول الأعضاء، وبالاستناد إلى البيانات التاريخية لأداء أعضاء الاتفاق طيلة العام الجاري 2019م فإن قياس الأداء الربعي سجّل نمواً مستمراً لحجم الالتزام قياساً على حجم الخفض المفترض لكل ربع من العام عند 3.6 ملايين برميل يومياً، حيث سجّل الأعضاء في الربع الأول من العام خفضاً إجمالياً عند 3.768 ملايين برميل يومياً، وفي الربع الثاني 5.332 ملايين برميل يومياً والربع الثالث 6.689 ملايين برميل يومياً، أي بزيادة عن معدلات التقييد المطلوبة في الربع الأول ب 168 ألف برميل يومياً والربع الثاني ب 1.732 ملايين برميل يومياً والربع الثالث ب 3.089 ملايين برميل يومياً، لذلك فإن إجمالي حجم التقييد للأعضاء في الربع (الأول والثاني والثالث) من العام كان عند 15.789 مليون برميل يومياً بزيادة عن حجم التقييد المفترض (15.789 مليون برميل) لذات الفترة مقدارها 4.989 ملايين برميل يومياً، وهو الانعكاس الفعلي الذي تحتاجه أسواق النفط لا فروقات الالتزام وحجمه بين الأعضاء الذي غالباً هو شأن إداري داخلي لأعضاء الاتفاق ولا يعني للأسواق شيئاً. في الشأن ذاته تتجّه أغلب توقعات أوساط الصناعة النفطية - وفق معطيات الأسواق العالمية - إلى دعم حالات التعافي بأسواق النفط في العام المقبل 2020م، الذي سيكون أفضل حالاً من نواحٍ عدّة مقارنةً بما عاشته الأسوق طيلة العام شبه المنصرم 2019م، وبطبيعة الحال قد تستمر عوامل الضغط في العام المقبل 2020م إلا أنها قد تكون أضعف مما كانت عليه في العام الجاري، من عوامل الضغط المتوقع استمرار تأثيرها بوتيرة أقل في التأثير الإنتاج الصخري الأميركي كذلك تداعيات الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدة والصين - إن استمرت بوادر التهدئة والاتفاق بين الجانبين - وبالتالي معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وبوجهٍ عام هناك تفاؤل حذر بأوساط الصناعة النفطية تجاه مستقبل الأسواق في المدى القصير، خصوصاً مستجدات الاتفاق التجاري وما سيؤول إليه في قادم الأيام. وعن التعاطي مع التوقعات المستقبلية لأسواق النفط، فيتضّح أن منظمة OPEC تفضّل القرارات قصيرة الأجل لا سيمّا في المراحل الانتقالية لعدّة أسباب، أهمها عدم استباق الأحداث ومحاولة جمع أكبر معطيات ممكنة لأسواق النفط، يمكن من خلالها تكوين تصوّر لفترات زمنية أطول (سنوية أو نصف سنوية) لتستطيع تهيئة القرارات المناسبة التي تساعد في الحفاظ على اتزّان أسواق النفط، وربما القرار الأخير للمنظمة برفقة المنتجين الآخرين من خارجها OPEC+ قد يعتدّ به في مثل هكذا حالات، حيث قضى بتعميق الخفض السابق بمقدار 500 ألف برميل يومياً لمدة 3 أشهر أي بنهاية شهر مارس المقبل، وقد تكون الأسواق النفطية بحاجة لوضوح أكبر في مسار بعض العوامل المؤثرة فيها، وهو الأمر الذي سيكون كفيلٌ به التقادم الزمني خلال العام 2020م، ومن ذلك مؤشرات الإنتاج النفطي من خارج المنظمة وما سيكون له من تبعات على أسواق النفط، كذلك مؤشرات الطلب العالمي على النفط ومسار الاتفاق التجاري بين الولاياتالمتحدة والصين.