لكل مجتمع أو بقعة جغرافية ما يميزها عن غيرها من عادات وتقاليد وظروف بيئية وحتى اختلافات في المادة الوراثية. كل ذلك أدى إلى تمايز في أبرز أنواع الإصابات والأمراض وأسباب الوفيات من مجتمع إلى آخر، وكان له أثر كبير على صحة السكان وعلى اقتصاديات هذه المجتمعات. كما يتطلب التصدي لبعض المشكلات الصحية كالأمراض الوبائية أو الوراثية معرفة جيدة بتوزيعها الديموغرافي، وهو أمر يصعب أن توفره جهات غير وطنية. ومن هذا المنطلق سارعت عديد من الدول المتقدمة في العالم إلى استحداث مؤسسات وطنية متخصصة لدعم الأبحاث الصحية. كما أنشأت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا مركزًا متخصصًا لمراقبة الصحة العامة ودعم الأبحاث الهادفة لتحسينها. تتركز مهمة المؤسسات الوطنية على الارتقاء بصحة المواطنين، وإيجاد الحلول لأبرز المشكلات التي تؤثر في صحتهم عن طريق البحث العلمي، كما تسهم في تعزيز التنمية الوطنية من خلال دعمها ورعايتها للأبحاث الإكلينيكية، التي تضخ المليارات في الاقتصاد الوطني، وتخلق عديدًا من الوظائف. تحدد مؤسسات أبحاث الصحة أولويات البحث العلمي على المستوى الوطني، وتوفر الدعم المادي واللوجيستي للباحثين ومراكز الأبحاث لتركيز العمل على هذه الأولويات. وفي ذلك تقنين للبحث العلمي وتعظيم للاستفادة من الموارد المتاحة للأبحاث وتوجيهها في اتجاه يصب في مصلحة الصحة العامة. بالنظر إلى واقع هذه المؤسسات في دول كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا نجد تشابهًا كبيرًا في طرق تحديد الأولويات البحثية على المستوى الوطني، وتقديم الدعم اللازم للأفكار البحثية المتوافقة مع هذه الأولويات، رغم وجود اختلافات على مستوى الهياكل الإدارية. تتبع المؤسسات الراعية للأبحاث الصحية عادة إلى وزارات الصحة، وتعمل بالشراكة مع الجهات المانحة–حكومية وخاصة– إضافة إلى الباحثين والعاملين في المجالات الصحية المختلفة وصناع القرار على تحديد الأولويات البحثية وتوفير الدعم اللازم لها. غالبًا ما تحدث هذه المؤسسات خططها الاستراتيجية كل خمس سنوات لتقدم من خلالها أشكالًا متعددة من الدعم، تشمل تعزيز البنية التحتية للأبحاث، وإنشاء برامج ومراكز تميز متخصصة في البحث العلمي المتوافق مع الأولويات البحثية، إضافة إلى ما تقدمه من دعم مادي مباشر للأفكار البحثية. تشجع المؤسسات الوطنية لدعم أبحاث الصحة الباحثين على الابتكار، كما تدعمهم ببرامج تعليمية وتدريبية مناسبة بالتعاون مع مؤسسات وطنية ودولية متخصصة. حتى مع تحديدها للأولويات البحثية تواجه هذه المؤسسات تحديات كبيرة في اختيار الأفكار البحثية الأجدر بالدعم لاختلاف أنواع البحث العلمي، وإن كانت تهدف جميعًا إلى علاج المشكلة نفسها. فمثلًا مرض السكري يعد إحدى أكبر المشكلات الصحية التي تؤثر في صحتنا كسعوديين وبنسبة أكبر من المجتمعات الأوروبية والأميركية. لعلاج هذه المشكلة قد تتنوع الأبحاث من أبحاث تهدف إلى رفع الوعي لدى أفراد المجتمع بأسباب الإصابة بالمرض وكيفية الوقاية منه أو التعايش معه إلى أبحاث على مستوى المادة الوراثية بهدف التنبؤ باحتمالية الإصابة بالمرض في وقت مبكر، وبالتالي الوقاية منه أو الحد من تأثيره. كذلك يمكن البحث عن علاج للمرض عن طريق الأبحاث التطبيقية، التي تهدف إلى إيجاد بدائل للإنسولين مثلًا كأبحاث العلاج الجيني أو أبحاث زراعة خلايا منتجة للإنسولين وغيرها من أبحاث. لذلك يتطلب اختيار الأفكار البحثية المستحقة للدعم وتحديد آليات الدعم والمتابعة المناسبة لها وجود هيئات ولجان متخصصة تعمل بشفافية ومهنية عالية وفقًا للمعايير الدولية، وتضم خبراء عالميين على مستوى علمي رفيع. كما يعد تخصيص برامج معلنة تركز على دعم مجالات محددة من الأبحاث أحد الأساليب المتبعة للمساعدة على تنظيم وتركيز الجهود البحثية. إنشاء مؤسسة تنظم وتشرف على أبحاث الصحة في المملكة سيسهم في توحيد جهود الباحثين الأكاديميين وغير الأكاديميين للتركيز على إيجاد حلول لأبرز ما يهدد صحة الفرد، ويعزز من الاستفادة المثلى للموارد البحثية المتفرقة بين المؤسسات الأكاديمية وغير الأكاديمية بما يكفل التكامل، إضافة إلى بناء قاعدة معلومات صحية ثرية.