بالتزامن مع المرحلة التي نستطيع فيها وبملء الفم أن نطلق على عصرنا الصحفي أنه عصر التحول الرقمي أو الرقمنة الصحفية، والذي يتسم بامتياز بتوسُع كبير في استخدام الأدوات التكنولوجية في الصناعة الصحفية، والتنقيب عن المادة واستعراضها، مع تحولات جذرية في بنية غرف الأخبار في العالم أجمع، يتصاعد من خلف الثورة التكنولوجية تلك داعٍ أكبر وأشد إلحاحًا للتوسع في تبني مفهوم الأمن السيبراني عمومًا، وفي يوميات العمل الصحفي على وجه التحديد، نظرًا لتماسّه وبشكل مباشر مع حماية البيانات، والسلامة الشخصية للصحفيين والمؤسسات والمصادر، وعلى ذلك أستطيع أن أرصد، خصوصًا في غمرة الحماسة باستخدام التطبيقات التكنولوجية كافة بالحقل الصحفي عربيًا، تراجعًا واضحًا في موقع الأمن السيبراني في قائمة أولويات الصحفي العربي، بالرغم من أهميتها الكُبرى، والاتجاه العالمي لتوطين ممارسي العمل الإعلامي على آلياتها، ولكن لدينا وفي غرف أخبارنا، الواقع يختلف. بالأمس عثرت على دراسة لافتة للنظر حقًا حول القضية، أجراها المركز الدولي للصحفيين، على عينة من مديري الأخبار والصحفيين وصلت إلى 4100 مبحوث من 149 دولة بنحو 14 لغة، وتناولت بالبحث الإحصائي حال التكنولوجيا في غرف الأخبار وتفاعلات الصحفيين بوسائلها الحديثة خاصة من جهة التطبيقات والإجراءات الخاصة بالأمن الرقمي وحماية البيانات، وما إذا كان الصحفيون على معرفة عالية بها ويلجؤون إليها، وخلصت الدراسة إلى أن ثلثي المبحوثين يستخدمون تقنيات خاصة بالأمن السيبراني، كما يستخدم 25 % من الصحفيين أدوات التحقق من محتويات الشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك تستعين 33 % من المؤسسات الصحفية بمدققين للحقائق، إلا أن رؤية الإصدارات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط لم تكن مبشرة، إذ إن أعداد المنصات الأخبارية الرقمية فقط في تناقص. من وجهة نظري، لا يمكن ألا تكون ساحة الدراسة الأكاديمية بعيدة الأثر على ظاهرة عدم الاهتمام بتفاصيل الأمن السيبراني وحماية البيانات، في الحقيقة ما تزال تلك القضايا والممارسات الوقائية من الاختراق والتتبع بعيدة عن مقررات أقسام الإعلام والصحافة في المنطقة العربية، نترك الصحفي الشاب يتعامل مع مجتمع وسائل التواصل بحسابه الشخصي وكلمة سر محدودة الفاعلية، دون التسلح بخلفية واسعة عن المخاطر التي قد تواجهه على الشبكة العنكبوتية، في حين قد يعفينا تقديم تلك المقررات وتدريب صحفيي المستقبل على التعامل مع الفضاء الفسيح من مشكلات كبرى وفواتير باهظة يدفعها الصحفي الشاب لاحقًا من أمنه واستقراره المهني، كما يمكن للاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز أن يحمل هذا اللواء من خلال سلسلة من البرامج التدريبة التي قدمها للصحافيين وخصوصاً الشباب منهم.