مسؤولية وطنية

منذ الإعلان عن رؤية المملكة 2030، قبل أكثر من ثلاث سنوات، وهي تثبت كل يوم بأن اهتمامها بتعزيز الاقتصاد الوطني "شامل" و"جامع"، يهتم بالتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، في مسعى جاد منها، لبناء اقتصاد قوي، تتنوع فيه مصادر الدخل، وتنتعش فيه الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية غير النفطية.
اليوم، تولي الرؤية اهتماماً خاصاً بعلاج سلبيات "التستر التجاري"، وهي ظاهرة لطالما كانت بمثابة شوكة في خاصرة الاقتصاد الوطني كبدته خسائر بمليارات الريالات، إذ تؤمن الرؤية بأنه من الصعب تنفيذ مستهدفاتها وبرامجها ومشروعاتها، في ظل وجود تستر تجاري، يعكر صفو الجهود المبذولة.
من هنا، لم يكن غريباً أن تُحدّث الدولة البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وتصل به للمراحل الأخيرة، تمهيداً لرفعه لمجلس الشورى، بعدما أدخلت عليه التعديلات اللازمة، وغلّظت فيه العقوبات، مع تحديد آليات تصحيح أوضاع المتسترين، وكذلك أخذ المرئيات من القطاع الخاص والخبراء الاقتصاديين والقانونيين، بالإضافة إلى طرح المسودة للعموم.
يجب الإقرار بأن ظاهرة "التستر التجاري"، في وقت سابق، لم تجد المواجهة القوية للحد منها، إذ قفز المتسترون فوق هذه الأنظمة، وتلاعبوا بالاقتصاد الوطني كيفما يشاؤون، مستغلين ضعف التشريعات والأنظمة.. هذه المرة تبدو الدولة جادة في وقف الظاهرة، واقتلاع جذورها من تربة الاقتصاد الوطني، ويدل على ذلك، أن جهات عدة تشارك في مراقبة التستر والمتسترين، وتعمل مجتمعة على وقف أنشطتهم، ومن هذه الجهات وزارات؛ الداخلية، والتجارة والاستثمار، والشؤون البلدية والقروية، والعمل والتنمية الاجتماعية إضافة إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ومؤسسة النقد السعودي والهيئة العامة للزكاة والدخل ومنشآت والهيئة العامة للاستثمار وبنك التنمية الاجتماعية وصندوق الموارد البشرية. وهو ما يشير إلى أن برنامج مكافحة التستر التجاري، سيعمل على مراقبة أنشطة المقيمين واستثماراتهم في المملكة، وتنظيم التعاملات المالية، لوقف خروج الأموال من البلاد بطرق غير شرعية، بالتوازي مع ذلك، سيكون هناك اهتمام لقياس نسب التوطين في مشروعات المقيمين، في خطوة تمهد الطريق لإعلان أسماء القطاعات التي بها تستر تجاري، أو يغلب عليها التستر، وتحديد القطاعات التي من الممكن توطينها، بهدف إيجاد فرص عمل للسعوديين، والقضاء على تكتلات غير السعوديين في هذه القطاعات.
ويبقى الجميل والمُطمئن في البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، أنه سيطلق حملة توعوية بمخاطر التستر التجاري، وخطورة التوظيف الوهمي، لرفع توعية المجتمع بأضرار هذه الظاهرة على الوطن والمواطن، وتغيير الصورة الذهنية عن التستر التجاري من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات وغيرها، وهذا يؤكد أن محاربة التستر مسؤولية الجميع، وليست مسؤولية الجهات المعنية فحسب.